Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الخطب المكتوبة

١٠ ثمرات لمن لازم الاستغفار.. تفريج الكروب والهموم وتحقيق الأمنيات والمستحيلات

إن الاستغفارَ زادُ الأبرار، وشِعارُ الأتقياء، ومَفزعُ الصالحين، به تسعَدُ القلوبُ، وتنشرح الصدورُ، وتنجلي الهمومُ، وتثقُل الموازينُ، وتُرفَع الدرجات، وتُحَطُّ الخطيئات، وتُفرَّجُ الكرباتُ، وكم جلب الاستغفارُ لأهله من الخيرات، وكم صرف عنهم من البلايا والملمات.

١- الاستغفار يُنقِّي القلبَ ويُطهرُه:

إن الاستغفار يُنَقِّى القلبَ من ظلماتِ المعاصي والذنوب؛ فعن أبي هريرة، عن رسولِ الله ﷺ قال: (إنَّ العبدَ إذا أخطأ خطيئةً نُكِتتْ في قلبِه نُكتةٌ سوداءُ، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صُقِلَ قلبُه، وإن عاد زِيدَ فيها حتى تعلُوَ قلبَه، وهو الرَّانُ الذي ذكر الله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]. [سنده حسن: أخرجه أحمد. “نُكتةٌ”: أثر قليل كالنقطة. “صُقِل قلبُه”: صقلت الملائكة قلبه وأذهبت ما فيه من الأثر].

قال العلماء: إن الذنوبَ تُسوِّدُ القلبَ، ولا يزال العبد كلما أذنب ذنبًا زادت الظُّلمة وعظُمَ السَّوادُ في قلبِه، فأما إذا بادر بعد الذنبِ بالتوبةِ والاستغفارِ نُقِّيَ قلبُه وهُذِّب ونُظِّف.

عن قتادة رحمه الله قال: إن القرآنَ يدلُكم على دائِكم ودوائِكم، أما داؤكم فذنوبُكم، وأما دواؤكم فالاستغفارُ.

وقِيل لبعض الناس: كيف أنت في دينِك؟
قال: أمزِّقُه بالمعاصي، وأُرقِّعُه بالاستغفار.

قال ابن القيم رحمه الله: سألت شيخ الإسلام ابن تيمية، فقلت: يسألُ بعضُ الناس: أيُّما أنفعُ للعبدِ التسبيحُ أو الاستغفارُ؟
فقال: إذا كان الثوبُ نقيًّا فالبخورُ وماءُ الوردِ أنفعُ له، وإن كان دَنِسا فالصابونُ والماءُ أنفعُ له.

عن بكر المزني رحمه الله قال: إن أعمالَ بني آدم تُرفَعُ، فإذا رُفِعتْ صحيفةٌ فيها استغفارٌ رُفِعَتْ بيضاءَ، وإذا رُفِعتْ ليس فيها استغفارٌ رُفِعتْ سوداءَ.

٢- وعَدَ اللهُ مَن استغفره أن يغفرَ له سبحانه وتعالى:

قال الله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82].
وتأملْ يا أخي، لقد أكد سبحانه الكلام بإن، واللام، ثم خصَّ ذلك بذاته سبحانه، فقال: {وَإِنِّي}، ولم يقُل جلَّ شأنه: “لغافر”، بل قال: {غفَّار}، ليدلَّ على عظيمِ عفوِه، وواسع مغفرتِه.

وقال سبحانه: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25].

وقال سبحانه: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110].

وقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64].

وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
فإذا مات المسلم الموحِّد، ولم يشرك بالله شيئًا؛ فالله سبحانه قد يغفر له كلَّ ذنوبِه مهما عظُمَت، ومن أشرك بالله سبحانه، وعبد معه غيرَه، ثم تابَ إليه وأنابَ فهو يغفر له أيضًا إذا صدق وأخلص.

وعن أبي ذر، عن النبي ﷺ فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي! إنكم تُخطئون بالليلِ والنهارِ، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعًا، فاستغفروني أغفرْ لكم) [أخرجه مسلم].

قال العلماء: وإنما قال سبحانه: {جميعًا} ها هنا قبل أن يأمرنا باستغفارِه حتى لا يقنطَ أحدٌ من رحمةِ الله لعظيمِ ذنبٍ اقترفه، ولا لشديدِ وزرٍ قد ارتكبَه، فما أرحمه وألطفه جلَّ شأنُه، خلقنا وهو يعلمُ أننا سوف نذنبُ ليلًا ونهارًا، ثم فتح لنا أبوابَ مغفرتِه، ولم يُقَنِّطْ عبادَه من رحمته.

وعن أبي هريرة t، عن النبيِّ ﷺ فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: (أذنبَ عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبِي، فقال تبارك وتعالى: أذنبَ عبدي ذنبًا، فعلِم أن له ربًّا يغفِرُ الذنبَ، ويأخذُ بالذنبِ. ثم عاد فأذنب.
فقال: أيْ ربِّ اغفر لي ذنبي.
فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلِم أن له ربًّا يغفِرُ الذنبَ، ويأخذُ بالذنبِ.
ثم عاد فأذنبَ، فقال: أيْ ربِّ اغفرْ لي ذنبِي.
فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنبَ ذنبًا، فعلِم أن له ربًّا يغفرُ الذنبَ، ويأخذُ بالذنبِ، اعمَلْ ما شئتَ فقد غفرتُ لك) [أخرجه البخاري، ومسلم].

وتأمل في كلامه جل شأنه، قال: (فعلِم أن له ربًّا يغفرُ الذنبَ، ويأخذُ بالذنبِ)، قال العلماء: قدم المغفرةَ على المؤاخذةِ لكرمِه سبحانه.
قالوا: وقوله: (اعمَل مَا شئتَ فقد غفرتُ لك): لا يدل على إباحةِ المعاصي، ولا الاجتراء على الله بكثرةِ الذنوب، وإنما معناه: ما دُمتَ تذنبُ ثم تتوب غفرتُ لك.

قال الطيبي رحمه الله: لم يُورَدْ هذا الحديثُ موردَ تسليةِ المنهمكين في الذنوبِ على ما يتوهمُ الغِرَّةُ، فإن الأنبياءَ صلوات الله عليهم إنما بُعِثوا ليردعوا الناسَ عن غَشَيانِ الذنوبِ، بل وَردَ موردَ البيانِ لعفوِ الله عن المذنبين، وحُسنِ التجاوزِ عنهم، ليُعظِّموا الرغبةَ في التوبةِ والاستغفارِ. والمعنى المرادُ من الحديثِ هو أن الله تعالى كما أحبَّ أن يُحسِنَ إلى المحسن أحبَّ أن يتجاوزَ عن المسيءِ.

وعن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسولَ الله ﷺ قال: (إن الشيطانَ قال: وعزتِك يا رب، لا أبرحُ أُغوِي عبادَك، ما دامت أرواحُهم في أجسادِهم.
فقال الربُّ تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لا أزالُ أغفرُ لهم ما استغفرونِي). [حسن: أخرجه أحمد].

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: (من قال: أستغفرُ الله العظيمَ الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيومُ، وأتوبُ إليه، ثلاثًا، غُفِرتْ له ذنوبُه، وإن كان فارًّا من الزَّحفِ). [أخرجه الحاكم بسند حسن، وهو حديث مختلف في رفعه ووقفه].

٣- من لزم الاستغفار سرَّته صحيفته يوم القيامة:

هنيئًا لمن داومَ على الاستغفارِ، فجاء يوم القيامة قد ذهبت سيئاتُه هباءً، وتضاعفَتْ حسناتُه وعظُمتْ، فعن عبد الله بن بُسر قال: قال النبي ﷺ: (طوبَى لِمَنْ وجدَ في صحيفتِه استغفارًا كثيرًا) [سنده حسن: أخرجه ابن ماجه].

وعن الزبير بن العوام قال: قال رسولُ الله ﷺ: (مَن أحب أن تسُرَّه صحيفتُه فليُكثِر فيها من الاستغفارِ) [سنده حسن: أخرجه الطبراني في الأوسط].

٤- الاستغفارُ سببٌ للنجاة من عذاب النار:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسولِ الله ﷺ أنه قال: (يا معشرَ النساء، تصدقْنَ وأكثرْنَ الاستغفارَ؛ فإني رأيتُكُنَّ أكثرَ أهلِ النارِ) [أخرجه مسلم].

وعن عائشة رضي الله عنها قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ابنَ جُدعانَ كان في الجاهليةِ يَصِلُ الرحِمَ، ويُطعمُ المسكينَ، فهل ذاك نافعُه؟
قال: (لا ينفعُه؛ إنه لم يقُل يومًا: ربِّ اغفر لي خطيئتِي يومَ الدينِ) [أخرجه مسلم].

وعن حذيفةَ قال: كنتُ ذَرِبَ اللسانِ على أهلِي، قلت يا رسولَ الله! قد خشيتُ أن يُدخلَني لساني النارَ.
قال: (فأين أنت من الاستغفار؟ إني لأستغفرُ الله في اليومِ مائةَ مرةً) [سنده ضعيف: أخرجه أحمد، وفيه عُبَيد بن المغيرة مجهول. “ذَرِبَ اللسانِ”: حاد اللسان].

وعن أبي العاليةِ رحمه الله قال: إني لأرجُو أن لا يهلِكَ عبدٌ بين نعمتين؛ نعمةٍ يَحمَدُ الله عليها، وذنبٍ يستَغفِرُ الله منه.

٥- الاستغفارُ سببٌ لرحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة:

قال صالح عليه السلام لقومه: {يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل: 46]. فكثرَةُ الاستغفارِ والتوبةِ من أسبابِ تنزُّلِ الرحماتِ الإلهيَّة، والألطَافِ الربَّانية، والفلاح في الدنيا والآخرة.

٦- الاستغفارُ سببٌ لدخولِ الجنَّةِ:

قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135، 136]. فالصالحون يُخطئون، لكنهم يبادرون بالاستغفارِ والتوبةِ، فأعقبهم الله بكثرةِ استغفارِهم جناتِ النعيمِ.

ذكر ابن أبي الدنيا عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال: رأيتُ أبي في النومِ بعد موتِه كأنه في حديقةٍ، فرفع إلي تفاحاتٍ، فأوَّلتُهن بالولدِ، فقلت: أي الأعمال وجدتَ أفضلَ؟
قال: الاستغفار يا بني.

٧- الاستغفارُ سببٌ لرفعةِ الدرجاتِ:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: (إن الله عز وجل ليرفَعُ الدرجةَ للعبدِ الصالحِ في الجنة، فيقولُ: يا ربِّ! أنى لي هذه.
فيقولُ: باستغفارِ ولدِك لك” [سنده حسن: أخرجه أحمد].

فانظر كيف يرفَعُ الاستغفارُ العبدَ المؤمنَ بعد موتِه؟ فإن كان أحدُ والدَيك قد تُوفِّي فاستغفرْ له كثيرًا؛ فإن هذا من أعظمِ ما ينفعُه في قبرِه. ولهذا كان النبيُّ r يأمرُ أصحابَه أن يستغفروا للميت؛ فعن أبي هريرة t قال: نعَى لنا رسولُ الله r النجاشيَّ صاحبَ الحبشةَ يومَ الذي ماتَ فيه، فقال: (استغفروا لأخيكُم) [أخرجه البخاري، ومسلم].

وعن عثمان بن عفان قال: كانَ النبيُّ ﷺ إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال: (استغفروا لأخيكم، وسَلُوا له بالتَّثبيتِ؛ فإنه الآن يُسأَلُ) [سنده حسن: أخرجه أبو داود].

٨- الاستغفارُ سببٌ لسَعة الرزقِ، ونزولِ المطرِ، وكثرةِ المالِ:

قال الله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود: 3].
قال العلماء: {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا} أي: يمتعْكم بالمنافعِ من سَعَةِ الرزقِ ورغَدِ العيشِ، والعافيةِ في الدنيا، ولا يستأصِلْكم بالعذابِ كما فعل بمن أُهلِك قبلكم {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وهو وقتُ وفاتِكم.

وقال نوح u: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10، 12].
قال مقاتل رحمه الله: لما كذّبوا نوحًا زمانًا طويلًا حبس الله عنهم المطرَ، وأعقمَ أرحامَ نسائهم أربعين سنةً، فهلكتْ مواشيهم وزروعُهم، فصاروا إلى نوحٍ عليه السلام واستغاثُوا به. فقال: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا…

قال العلماء: رغَّبَهم إن هم استغفروا ربَّهم أن يُكثِرَ رزقَهم، بأن {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} أي: مطرًا متتابعًا متواصلًا يتلو بعضُه بعضًا، يروي الشِّعابَ والوِهادَ، ويُحيي البلادَ والعبادَ، {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} أي: يُكثِّر أموالَكم وأولادَكم التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا، {وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ} فيها أنواعَ الثمارِ المختلفةِ {وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} تروون بها زروعَكم، ومنها تشربون.

وعن الشَّعْبِيِّ رحمه الله أن عمرَ بنَ الخطابِ t خرجَ يستسقي فصعدَ المِنبرَ، فقال: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}، ثم نزلَ، فقالوا: يا أميرَ المؤمنين! لو استسقيتَ؟
فقال: لقد طلبْتُه بمجَاديحِ السماءِ التي يُستنزَلُ بها القَطْرُ.

وقال هود u لقومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} [هود: 52].

قال العلماء: أمرَهم بالاستغفارِ الذي فيه تكفيرُ الذنوبِ السالفةِ، وبالتوبةِ عما يستقبِلون من الأعمالِ السابقةِ، ومن اتصف بهذه الصفةِ يسر الله عليه رزقَه، وسهَّل عليه أمرَه، وحفِظَ عليه شأنَه وقوَّتَه.

عن جعفر الصادق رحمه الله قال: إذا استبطأتَ الرزق فأكثِرْ من الاستغفارِ.

٩- الاستغفارُ سببٌ لكثرةِ الولد:

قال نوح u: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} [نوح: 10، 12].
فالاستغفارُ سببٌ لنُزولِ الغَيثِ المِدرَارِ، وحُصُولِ البركةِ في الأرزاقِ والثِّمارِ، وكثرةِ النَّسْلِ والنَّماء، وكثرةِ النعم في الفيافي والقِفار.

ذكر القرطبي رحمه الله في تفسيره عن ابن صُبَيح قال: شكَا رجلٌ إلى الحسن الجُدوبةَ، فقال له: استغفر الله، وشكا آخرٌ إليه الفقرَ، فقال له: استغفر الله، وقال له آخر: ادعُ الله أن يرزقَني ولدًا.
فقال له: استغفر الله.
وشكا إليه آخر جفاف بستانَه.
فقال له: استغفر الله.
قال: فقلنا له في ذلك؟
فقال: ما قلتُ من عندي شيئًا، إنَّ الله تعالى يقول: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} [نوح: 10، 12].

١٠– الاستغفارُ سببٌ للقوةِ:

قال هود u لقومه: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52].
قال العلماء: كانوا من أقوى الناسِ، ولهذا قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: 15]، فوعدَهم أنهم إن آمنوا زادهم الله قوةً إلى قوتِهم، قوةً في الجسمِ، وقوةً في النعمِ، وقوةً بكثرةِ المالِ الولد، كلُّ هذا يدخلُ في معنى القوةِ، والله أعلم.

إن في ملازمةِ الاستغفارِ قوةُ الجسمِ، وصِحةُ البدنِ، والسلامةُ من العَاهاتِ والآفاتِ، والشفاءُ من الأمراضِ والأوصابِ.

١١- الاستغفارُ سببٌ لتفريجِ الهمومِ والكرباتِ:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالَ رسولُ الله ﷺ: (من لزِمَ الاستغفارَ جعلَ الله له من كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ومن كلِّ همٍّ فرجًا، ورزقَه من حيث لا يحتسبُ) [سنده ضعيف: أخرجه أحمد وأبو داود وابن بسند ضعيف، وصححه بعض العلماء].

فكم من رجل لزم الاستغفار ففرج الله همَّه، وأزال كربَه، وأبدل أحزانه أفراحًا، وضيقَه سعةً، وعسرَه يسرًا، وفقرَه غنىً، وأقبلت عليه المسرَّات.

قال ابن عبد الهادي رحمه الله: سمعتُ شيخَ الإسلام في مبادئ أمرِه يقولُ: إنه ليقِفُ خاطري في المسألةِ والشيءِ أو الحالة التي تشكِلُ عليَّ؛ فأستغفرُ الله تعالى ألفَ مرةٍ أو أكثر أو أقل حتى ينشرحَ الصدرُ، وينحَلَّ إشكالُ ما أشكل، قال: وأكونُ إذ ذاك في السوقِ، أو المسجدِ، أو الدربِ، أو المدرسة، لا يمنعني ذلك من الذكر والاستغفارِ إلى أن أنال مَطلوبِي.

١٢- الاستغفارُ سببٌ لدفعِ العذابِ في الدنيا:

قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].

وعن أبي هريرة قال: كانَ فيكم أمانَانِ، مضَتْ إحداهُما، وبقِيَتِ الأخرى، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] [أخرجه الحاكم بسند صحيح].

وعن فَضَالة بن عُبَيد، عن النبيِّ ﷺ أنه قال: (العبدُ آمنٌ من عذابِ الله ما استغفرَ الله) [أخرجه أحمد بسند ضعيف، لكن حسَّنه بعض العلماء بشواهده].

وعن أبي موسى قال: خَسَفَتِ الشمسُ في زمنِ النبيِّ ﷺ فقامَ فزِعًا يخشى أن تكونَ الساعةُ حتى أتى المسجدَ، فقامَ يصلي بأطولِ قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ ما رأيتُه يفعلُه في صلاةٍ قطُّ، ثم قال: (إن هذه الآياتِ التي يرسِلُ الله لا تكونُ لموتِ أحدٍ ولا لحياتِه، ولكن الله يرسلُها يُخَوِّفُ بها عبادَه، فإذا رأيتُم منها شيئًا، فافزعوا إلى ذكرِه، ودعائِه، واستغفارِه) [أخرجه البخاري ومسلم].

ويُذكَرُ عن عليِّ رضي الله عنه قال: العجبُ ممن يهلَكُ ومعه النجاةُ! قيل: وما هي؟ قال: الاستغفار.

وعنه t أنه كان يقول: ما ألهمَ الله سبحانه وتعالى عبدًا الاستغفارَ، وهو يريدُ أن يُعذبَه.

ففي الاستغفار دفعُ الكوارثِ، والسلامةُ من الحوادثِ، والأمنُ من الفتنِ والمحنِ.

١٣- الاستغْفارُ سببٌ للنَّصرِ على الأعداءِ:

قال الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 146 – 148].

للاستماع للخطبة صوت على موقع ساوند كلاود:

لتحميل الخطبة pfd:

سعيد القاضي

محبكم طالب علم، وقارئ قرآن، وباحث ماجستير في الشريعة. مسلم سني، لا أنتمي لأي حزب أو جماعة ❤

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى