Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الخطب المكتوبةالمقالات

كنوز صلاة الفجر.. وخطوات لو عملتها لن تترك صلاة الفجر بعد اليوم ❤️

صلاةُ الفجر زاد الأبرار، وعُدَّة المتقين، وراحةُ العابدين، تهفو قلوبُ المحبين شوقًا إليها، ينفضون غبارَ النوم عن أعينِهم وينهضون إليها يحدوهم الطمعُ فيما أعدَّ الله لمن صلاها من عظيم الأجرِ والثواب.

إن أهلَ الفجر فئةٌ موفَّقةٌ، وجوههم مسفرةٌ ، وجباههم مشرقةٌ ، وأوقاتُهم مباركةٌ، فإن کنتَ منهم فاحمد الله على فضله ، وإن لم تكن منهم فادعو الله أن يجعلك منهم.

إذا دخلتَ لصلاة الفجر ورأيتَ قلةَ المصلين فاعلم أن الله قد اصطفاك من بين عباده، وحباك بهذا الفضلِ العظيم، وامتنَّ عليك بهذا الثوابِ الجزيل، هنيئًا والله لمن صلى الفجر في جماعة، لم توقظه مدرسةٌ أو جامعةٌ، أو عملٌ أو تجارةٌ في دنيا فانيةٍ، إنما هو حبُّ ملك الملوك أنار قلبَه فحرك جوارحَه، عندما ينام باقي الخلق يقوم هو في طريق النور بمفردِه مع خالقه، فابدأ يومَك بصلاة الفجرِ تجد البركةَ والنور، والراحة والسرورَ.

إن في ركعات الفجر بركاتٌ لا توصَف، فمع شروقِ الشمس تشرق شمسُ الإيمان في قلبك، فتبدأ يومًا ملؤه الأملُ والتفاؤلُ والنشاطُ والهمة، قد طابت نفسُك بطاعة الله، وسعِد قلبُك بعبادة الله، يأتي الفجرُ بعد طولِ ظلمةِ الليل، فيُذهِبُ أثرَ المعاصي من القلب، كما يُذهب الظلمةَ من الليل فهنيئًا لك.

تنفرد صلاةُ الفجر بأذانٍ مختلف عن بقية الصلوات، فيه تلك الكلمة العظيمة: (الصلاةُ خير من النوم)، إنه اختبارُ الصدق مع الله، اختبار الوفاءِ بالعهد، اختبارُ الإيمان، فهنيئًا لك.

📖📖

فضل صلاة الفجر

(١)- أقسم الله بالفجر:

قال الله تعالى: {وَالفَجرِ} [الفجر: 1].

اختلف العلماء في المراد بالفجر هنا؛ فالقول الأول: هو الصبحُ الذي يبدأ به النهارُ من كل يوم.
والثاني: هو فجر يومِ النحر خاصة، وهو خاتمةُ الليالي العشر.
والثالث: هي صلاة الفجر. والرابع: عنى به النهارَ، وعبر عنه بالفجر لأنه أولُه.
وقيل غير ذلك.
قلت: كلها محتملة، وليس هناك دليل يمنع دخولَ شيءٍ منها في المعنى المراد، والله أعلم.

قلت: ولا يقسم الله بشيء إلا لبيان شرفِه وعظيمِ منزلته، ففي هذا الآية دليلٌ على شرف صلاة الفجر وعِظَمِها.

(٢)- تشهد الملائكة صلاة الفجر:

عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: (يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجرِ وصلاةِ العصر، ثم يعرُجُ الذين باتوا فيكم، فيسألُهم – وهو أعلمُ بهم -: كيف تركتُم عبادي ؟ فيقولون: تركناهم وهم يُصلُّون، وأتيناهم وهم يصلون) [أخرجه البخاري، ومسلم].

وعن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «تفضُل صلاةُ الجميعِ صلاةَ أحدِكم وحدَه، بخمسٍ وعشرين جزءًا، وتجتمعُ ملائكةُ الليلِ وملائكةُ النهارِ في صلاةِ الفجرِ» ثم يقولُ أبو هريرة: فاقرءوا إن شئتم: {إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] [أخرجه البخاري، ومسلم].

وعن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ في قوله تعالى: {وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كانَ مَشهودًا} [الإسراء: 78]، قال: تشهدُه ملائكةُ الليلِ وملائكةُ النهارِ). [سنده صحيح على خلاف في رفعه ووقفه: أخرجه أحمد، والترمذي، ابن ماجه].

قال العلماء: {وَقُرآنَ الفَجرِ} يعني: صلاة الفجر. وانتصب {قرآن} من وجهين:
أحدهما: أن يكون معطوفا على الصلاة، فالمعنى: وأقِم قرآنَ الفجر، أي صلاةَ الصبح.
والثاني: انتصب على الإغراء، فالمعنى: فعليك بقرآن الفجر.
قيل: وعبَّر عنها بالقرآن خاصة دون غيرِها من الصلوات، لأن القرآن هو أعظمُ.

قلت: وما كان تعاقب الملائكة ومجيئهم طائفة بعد طائفة في هذين الوقتين خاصة إلا لفضلهما وبركتهما، والله أعلم.

(٣)- ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها:

وعن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: (ركعتا الفجرِ خيرٌ من الدنيا وما فيها).  وفي رواية: أنه قال في شأنِ الركعتين عند طلوعِ الفجر: (لهما أحبُّ إليَّ من الدنيا جميعًا) [أخرجه مسلم].
ولأحمد: عن النبي ﷺ في الركعتين قبل صلاة الفجر، قال: (هما أحبُّ إليَّ من الدنيا جميعًا).

في معناه وجهان:
أحدهما: أن هاتين الركعتين خيرٌ من الدنيا وما فيها من المتاع والمباهج لعِظَم أجرِهما؛ لأن الدنيا فانيةٌ، ونعيمُها لا يخلو عن كدَرِ النصبِ والتعبِ، وثواب هاتين الركعتين باقٍ.
والثاني: أنه لو قدر الله أن ينفق الدنيا وما فيها من متاع في سبيل الله تعالى لكانت هاتان الركعتان أكثرَ ثوابًا من ذلك.

📖📖

ثمرات صلاة الفجر

ما أجمل الفجر! فريضتُه تجعلك في ذمة الله، وسنتُه خيرٌ من الدنيا وما فيها، وقرآنُه تشهدُه الملائكة. إن صلاةَ الفجر في الظُّلَم مَنجاةٌ من النِّقَم، فكم داوت من عانى من سَقَم، وشرحت صدرًا كان به ألم، فقوموا لها بصدق وهمة، وأبشروا بأعظم الدرجات في الجنة.

أولا: ثمرات دنيوية

)- حفظ الله وحمايته:

عن جُندَب بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: (من صلى الصبحَ فهو في ذمةِ الله فلا يطلُبَنَّكم الله من ذمتِه بشيءٍ، فيدرَكه فيكبَّه في نارِ جهنمَ) [أخرجه مسلم].

وفي رواية: (فلا تخفِروا الله في ذمَّتِه).

قيل: الذمة هنا: الضمان، وقيل: الأمان.

وقوله: (فلا تخفِروا الله في ذمَّته): قالوا: خفرتُ الرجلَ: أجرتُه وحفظتُه، وأخفرت الرجلَ إذا نقضتُ عهده وذمامَه.

قلت: والمعنى أن من صلى الفجرَ فهو في أمان الله وحفظِه وضمانِه، فمن تعدى عليه وآذاه فقد عرَّض نفسَه لعقوبة الله وعذابة، وتخيّلْ أن رجلًا هرب من عدوٍّ له، فاحتمى بملكٍ قويٍّ، فهل يجرؤ أحدٌ على أذيَّتِه؟ وهل تراه يَسلَم من العقوبة لو آذاه؟ فكيف بملك الملوك سبحانه؟!

وعن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله ﷺ: (من صلى الصبحَ فهو في ذمةِ الله، فلا تخفِروا الله في عهدِه، فمن قتلَه طلبَه الله حتى يكُبَّه في النار على وجهِه). [رجاله ثقات: أخرجه ابن ماجة، وأعله بعض العلماء بالانقطاع بين سعد بن إبراهيم وحابس اليماني].

وعن نعيم بن همار الغطفاني، عن النبي ﷺ، قال: (قال الله تعالى: ابن آدم، صل لي أربع ركعات من أول النهار، أكفك آخره). [صحيح: أخرجه أحمد، وأبو داود، وله طرق، وفي سنده خلاف لا يضر إن شاء الله].

وعن أبي الدرداء أو أبي ذر عن رسول الله ﷺ عن الله عز وجل أنه قال: (ابنَ آدمَ، اركَعْ لي من أولِ النهارِ أربعَ ركعاتٍ، أكفِكَ آخرَه). [سنده حسن: أخرجه الترمذي، وفيه إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده].

اختلف العلماءُ في المراد بهذه الركعات:
فالقول الأول: هي صلاة الضحى.
والثاني: صلاة الإشراق.
والثالث: سنة الصبح وفرضُه؛ لأنه أولُ فرضِ النهار الشرعي.
قلت: الأول أشهر، والباقي ليس ببعيدٍ، والله أعلم.

قالوا: والمعنى: أفرِغ بالك بعبادتي في أول النهارِ أُفرِّغ بالك في آخره بقضاء حوائجَك وشغلَك، وأدفع عنك ما تكرهه بعد صلاتك إلى آخر النهار.

عن عطاء بن السائب قال: دفع الحجاجُ إلى سالم بن عبد الله سيفًا , وأمره بقتل رجلٍ , فقال سالمٌ للرجل: أمسلمٌ أنت؟
قال: نعم , امضِ لما أُمِرتَ به.
قال: فصليت اليومَ صلاةَ الصبح؟
قال: نعم.
قال: فرجعَ إلى الحجاج، فرمى إليه بالسيفِ، وقال: إنه ذكر أنه مسلمٌ, وأنه قد صلى صلاة الصبحِ اليومَ, وإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى صلاةَ الصبحِ؛ فهو في ذمة الله).
قال الحجاج: لسنا نقتُلُه على صلاةِ الصبح؛ ولكنه ممن أعان على قتلِ عثمانَ.
فقال سالم: هاهنا من هو أولى بعثمانَ مني.
فبلغ ذلك عبد الله بن عمر، فقال: ما صنع سالمٌ؟
قالوا: صنع كذا وكذا.
فقال ابن عمر: مُكيَّسٌ مُكيَّسٌ. [رجاله ثقات: أخرجه ابن سعد في “الطبقات الكبرى”].

)- النشاط وطيب النفس:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: (يعقِدُ الشيطانُ على قافيةِ رأسِ أحدِكم – إذا هو نام – ثلاثَ عُقَد، يضربُ كلَّ عقدةٍ عليك ليلٌ طويلٌ فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدةٌ، فإن توضأ انحلت عقدةٌ، فإن صلى انحلَّت عقدةٌ، فأصبح نشيطًا طيبَ النفس، وإلا أصبح خبيثَ النفسِ كسلان). [أخرجه البخاري، ومسلم].

فإذا قمتَ من نومك فذكرتَ الله، ثم توضأت، وصليت قيامَ الليل أو صليت الفجرَ انحلَّت عنك عُقَد الشيطان، وعاد منك بحسرةٍ وهزيمة، وأصبحت طيبَ النفس نشيطًا، قد بدأتَ يومك بعبادةٍ هي من أجَلِّ العبادات.

فأما إذا قمت لصلاة الفجر بعدما طلعتْ فقد نال الشيطانُ حظَّه منك، وحققَ مردَاه من تثبيطِك وتخذيلك عن عبادة الله، فتصبح خبيثَ النفس كسلان، وكفى بك كسلًا أنك تكاسلتَ عن أداء حق ربِّك عليك، فواحسرتاه.

ثانيا: ثمرات أخروية

)- الفوز بأعظم الثواب:

عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: (ليس صلاةٌ أثقلُ على المنافقين من الفجر والعشاءِ، ولو يعلمون ما فيهما لأتَوهما ولو حَبْوًا). [أخرجه البخاري، ومسلم].

لو أنك عرفت ما في صلاة الفجر من الأجر لقمتَ فزِعًا من نومك، وهرولت إلى وضوءك ثم أتيت إلى المسجد لتصلي الفجرَ، ولو كنت من أصحاب الأعذار، إذا عجزتَ عن المجيء إلى المسجد مشيًا على قدميك فلتيأتين زحفًا على يديك؛ لعِظَم الأجر والثوابِ.

)- الفوز بأجر قيام ليلة كاملة:

قال عبد الرحمن بن أبي عَمرة: دخل عثمانُ بن عفان المسجدَ بعد صلاةِ المغرب، فقعد وحدَه، فقعدتُ إليه، فقال: يا ابنَ أخي، سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: (من صلى العشاءَ في جماعةٍ، فكأنما قام نصفَ الليل، ومن صلى الصبحَ في جماعةٍ، فكأنما صلى الليلَ كلَّه). [أخرجه مسلم، وقد اختلف في رفعه ووقفه، وأرى الوجهين محفوظين، والله أعلم].

وفي رواية لأبي داود وغيره: (من صلى العشاءَ في جماعةٍ كان كقيام نصفِ ليلةٍ، ومن صلى العشاءَ والفجرَ في جماعةٍ كان كقيامِ ليلةٍ).

ما هذا الكرم، وما هذا الفضل؟!
تصلي الفجر الذي هو فرضٌ عليك في عشر دقائق فيكتب الله لك بذلك أجرَ قيامِ الليل كلِّه!
إن أعبدَ الناس لا يقدر على قيامِ الليلِ كله، بل إن الله لما أمر النبيَّ ﷺ بقيام الليل قال له: {قُمِ اللَّيلَ إِلّا قَليلًا * نِصفَهُ أَوِ انقُص مِنهُ قَليلًا * أَو زِد عَلَيهِ} [المزمل: 2-4]، فما أمره بقيام الليل كلِّه لمشقته على البشر، ومع ذلك وهبنا ربُّنا هذا الخيرَ العظيمَ بصلاة الفجر في جماعة، فلله الحمد والمنة.

عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمة ، أن عمر بن الخطاب فقدَ سليمانَ بن أبي حثمة في صلاة الصبحِ، وأن عمرَ بن الخطاب غدا إلى السوقِ ومسكنُ سليمانَ بين السوقِ والمسجدِ النبوي، فمر على الشفاءِ أمِّ سليمان، فقال لها: لم أرَ سليمانَ في الصبح.
فقالت: إنه بات يصلي فغلبتْه عيناه.
فقال عمر: لأن أشهدَ صلاةَ الصبحِ في الجماعةِ أحبُّ إليَّ من أن أقومَ ليلةً. [أخرجه مالك في الموطأ بإسناد صحيح].

(٣)- النجاة من عذاب الله:

عن عُمَارة بن رُوَيبة قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: (لن يلجَ النارَ أحدٌ صلى قبل طلوعِ الشمسِ، وقبلَ غروبِها)، يعني الفجرَ والعصرَ.

فقال له رجلٌ من أهلِ البصرة: آنت سمعتَ هذا من رسول الله ﷺ؟ قال: نعم. قال الرجل: وأنا أشهد أني سمعتُه من رسول الله ﷺ، سمعتْه أذناي، ووعاه قلبي. [أخرجه مسلم].

قال العلماء: والمعنى أنه داوم على أدائِهما، ولا يوفَّق للمداومة عليها إلا من سبقت له هذه السعادة.
قالوا: وخَص هاتين الصلاتين بالذكر لأن الصبحَ وقتُ النوم، والعصرَ وقتُ الاشتغال بالتجارة، فمن حافظ عليهما مع المشاغل كان الظاهرُ من حاله المحافظةَ على غيرٍهما ولا ريب، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فلابد أن تجد من واظب عليهما قريبًا من الطاعات، بعيدًا عن فعل المنكرات.

قالوا: وهذان الوقتان مشهودان، يشهدُهما ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار، ويرفعون فيهما أعمالَ العباد، فبالأحري أن يقعَ مكفرا فيُغفَر له ويدخل الجنة.

)- الفوز بالنور التام يوم القيامة:

عن سهل بن سعد الساعدي، قال: قال رسول الله ﷺ: (ليُبشِرِ المشَّاؤون في الظُّلَم إلى المساجدِ بنورٍ تامٍّ يومَ القيامةِ). [إسناده حسن: أخرجه ابن ماجة، وابن خزيمة، والحاكم].

وعن بريدة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: (بشِّرِ المشائين في الظُّلَمِ إلى المساجدِ بالنورِ التامِّ يومَ القيامة). [حسن بشواهده، وهذا سنده ضعيف: أخرجه أبو داود، والترمذي. وفي سنده إسماعيل بن سليمان ضعيف، وعبد الله بن أوس مجهول].

لما قاسُوا مشقةَ المشي في ظلمة الليل جازاهم ربُّهم بنورٍ يضيء لهم على الصراط.

قال الله تعالى:  {يَومَ لا يُخزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ نورُهُم يَسعى بَينَ أَيديهِم وَبِأَيمانِهِم يَقولونَ رَبَّنا أَتمِم لَنا نورَنا} [التحريم: 8].

وقال سبحانه: {يَومَ تَرَى المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ يَسعى نورُهُم بَينَ أَيديهِم وَبِأَيمانِهِم بُشراكُمُ اليَومَ جَنّاتٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ * يَومَ يَقولُ المُنافِقونَ وَالمُنافِقاتُ لِلَّذينَ آمَنُوا انظُرونا نَقتَبِس مِن نورِكُم قيلَ ارجِعوا وَراءَكُم فَالتَمِسوا نورًا} [الحديد: 12-13].

قيل: يسعى نورُهم بين أيديهم على قدرِ أعمالِهم يمرون على الصراط، منهم من نورُه مثلُ الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة، ومنهم من نوره مثل الرجلِ القائمِ، وأدناهم نورًا من نورُه في إبهامه يتقد مرة ويُطفَأُ مرة.

وقيل: ما من أحدٍ إلا ويُعطَى نورًا يوم القيامة، فإذا انتهَوا إلى الصراط طُفِئ نورُ المنافقين، فلما يرى ذلك المؤمنون ذلك يشفقون أن يُطفَأ نورُهم كما طُفئ نور المنافقين، فيقولون: ربنا، أتمِم لنا نورنا.

قلت: ومن أجَلِّ الأعمال التي تنيرُ لك طريقَك على الصراط المشيُ إلى المساجد في الظُّلَم، فاحرِص على صلاة الفجر لتنال هذا الخيرَ العظيم، وفقنا الله لذلك.

)- دخول الجنة:

عن أبي موسى أن رسول الله ﷺ قال: (من صلَّى البَردين دخلَ الجنةَ). [أخرجه البخاري، ومسلم].

قال العلماء: سميتا بردين لأنهما تصليان في بردَي النهارِ، أي: طرفاه، حين يطيبُ الهواءُ ويذهَبُ شدة الحرِّ.

(٦)- الفوز برؤية الله:

عن جرير قال: كنا عند النبيِّ ﷺ، فنظر إلى القمرِ ليلةً – يعني البدر – فقال: (إنكم سترون ربَّكم كما ترون هذا القمرَ، لا تُضامُّون في رؤيتِه، فإن استطعتُم أن لا تُغلَبوا على صلاةٍ قبل طلوعِ الشمسِ وقبل غروبِها فافعلوا”. ثم قرأ: {وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ الغُروبِ} [ق: 39].

وفي رواية مسلم: يعني العصرَ والفجرَ، ثم قرأ جرير: {وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ الغُروبِ} [ق: 39]. [أخرجه البخاري، ومسلم].

(لا تضامون): بضم التاء وفتحها، والمعنى: لا يحصُلُ لكم ضَيم ولا ظلمٌ، فلا تزدحمون ولا تجتمعون لرؤيتِه من جهةٍ واحدةٍ، فإنكم ترونه سبحانه في جهاتِكم كلِّها.

قالوا: وهذا الحديث يدل على أن رؤية الله تعالى يُرجَى نيلُها بالمحافظة على هاتين الصلاتين.
ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند ذكر الرؤية أن الصلاةَ أفضلُ الطاعات، وقد ثبت لهاتين الصلاتين من الفضل على غيرِهما من اجتماعِ الملائكة فيهما، ورفعِ الأعمال وغيرِ ذلك، فهما أفضلُ الصلوات، فناسب أن يُجَازَي المحافظُ عليهما بأفضل العطايا وهو النظرُ إلى الله تعالى.

📖📖

ما يعين على القيام لصلاة الفجر

(١)- الاستعانة بالله والدعاء:

سلِ اللهَ عز وجل أن يُعينَك على القيام لصلاة الفجر، فبتوفيق الله تُوفَّق، وبعونه تسعدُ، وقد كان من دعاء إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجعَلني مُقيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتي} [إبراهيم: 40].
وكان النبي ﷺ يقول: (والله لولا اللهُ ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا). [أخرجه البخاري].

واشدُد يدَيك بحبلِ الله معتصمًا

فإنه الركنُ إن خانتْك أركان

)- قوة العزيمة، ومجاهدة النفس:

إن القيام لصلاة الفجر وأنت في النومِ العميق أمرٌ ليس بسهلٍ، بل هو شاقٌّ على النفوس، ولا يتم لك القيامُ إلا إذا كنت قويَّ الإرادةِ والعزيمةِ، وأن تجاهدَ نفسَك مراتٍ ومراتٍ دون يأسٍ واستسلامٍ، بإرادةٍ لا تعرف الكللَ ولا الملل، وكن على يقين أنك مع الوقت تصلُ إن شاء الله. قال الله تعالى: {وَالَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا} [العنكبوت: 69].

فجاهِد نفسَك ولا تتعجل، فمرةً تقومُ قبل الفجر، ومرة تدركُ صلاة الفجر مع الجماعة، ومرة تصلي الفجر وحدك قبل الشمس، ومرة يغلبُك النومُ فتقوم متأخرًا، فاستمرَّ بالجهاد ولا تُسلِّم.

إن الذي يريد صادقًا أن يستيقظَ لصلاة الفجر سوف يُعينُه الله وسيقوم، إنك لو استشعرت عظم صلاة الفجر وما فيها من الفضل ستركز كلَّ جهودِك حتى تقومَ، وقد قال ربنا في المنافقين: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة:46]، لكنهم لا يريدون، فلأجل ذلك لم يخرجوا، فجدِّد نيتَك، وكن قويَّ العزيمة.

وتذكَّر أن جهادَك لنفسِك على ترك الفراش الوثير، والقيامِ من النوم العميق، والمشيِ في ظلمة الليل ابتغاءَ مرضات الله، أصدقُ دليلٍ على محبتك لله، ومحبة الله لك إذ وفقك لهذا.

)- التخفف من الذنوب، والنوم على طاعة:

يقولون: الحسنةُ تدل على أختِها، والسيئةُ كذلك، ومن رحمة الله بعباده وعونِه لهم أنّ من عمِل حسنةً وفَّقه الله لحسنةٍ أخرى، فإذا أردتَ أن يُعينَك الله على صلاةِ للفجر وقيامِ الليل فجدِّد التوبةَ، واستغفرْ من ذنبوبِك، واندَم على تقصيرِك، ونَم على عبادةٍ وطاعةٍ وذكرٍ.

يُذكَر عن الحسن البصري أن رجلًا سأله: لماذا لا نستطيعُ أن نقومَ الليلَ؟
فقال: أقعدتكم ذنوبُكم.

فابحث في حياتك، هل لك ذنوبٌ ما زلت مُصرًّا عليها؟ هل قبل نومِك فعلت ذنبًا ما تبتَ منه؟

وإن تيسر لك الوضوءُ قبل نومٍك وقولُ أذكارِ النومِ فهنيئًا لك، واحرِص على الوتر قبل نومِك إن لم يكُن من عادتك قيامُ الليل قبل الفجر.

(٤)- النوم مبكرا:

عن أبي برزة رضي الله عنه، (أن رسولَ الله ﷺ كان يكرَه النومَ قبل العشاءِ، والحديثَ بعدها). [البخاري، ومسلم].

وما كرِه ذلك إلا خشيةَ أن يمنعَ طولُ السهرِ من القيامِ للفجر ويفوتَ قيامُ الليل، ولهذا كان من عادته صلى الله عليه وسلم أن ينامَ مبكرًا، ويقومَ في الثلث الأخير يصلي بين يدي ربه سبحانه.

قال راغب السرجاني: في أمريكا ينامون مبكرين، فنادرٌ جدا أن تجدَ أحدًا يمشي في الشارع بعد الساعة التاسعة مساءً، تجدهم ينامون الساعة الثامنة أو التاسعة، فانعكس هذا على حياتِهم، فتجد عندهم نظام وحيوية ونشاط.

فلا تسهر إلا لضرورةٍ، ولا تجعل من عادتِك السهر، إلا إذا كنتَ تتيقنِ أنك لو سهرتَ فسوف تقومِ للفجر، فأما إن كان سهرُك سيفوت عليك صلاةَ الفجر في وقته فيحرُم عليك أن تسهرَ.

(٥)- الاستعانة بمنبه:

استعن بمنبه ليوقظك، وأنصح أن يكونَ لك أكثر من منبه، فلو أن الفجرَ الساعة الرابعة والشروق الخامسة والنصف، فاجعل لك منبهًا الرابعة، ومنبهًا الرابعة والنصف، ومنبها الخامسة، وهكذا، فإذا فاتتك صلاةُ الفجر في جماعة المسجد فلا يفوتُك أن تصلِّيَها في وقتِها قبلَ طلوع الشمس.

واجعل المنبه بعيدًا عنك شيئًا قليلًا حتى لا تقوم فتغلقه ولا تشعر وأنت نائم، وليكُن الصوت مرتفعًا، وحبذا لو يكونُ صوت التنبيه آيات من كتاب الله تعالى.

أين أنت من همة هؤلاء؟

عن أنس بن مالك قال: شهدت فتحَ تسترَ وذلك عند إضاءة الفجر، فاشتغلَ الناسُ بالفتح، فما صلوا الصبحَ إلا بعد طلوع الشمس، فما أحبُّ أن لي بتلك الصلاة حمُرُ النَّعمِ.

وتستر مدينة فارسية حصينة، حاصرها المسلمون سنةً ونصفا، ثم سقطت في أيدي المسلمين، وتحقق لهم الفتح، وكان فتحُ باب حصن تستر قُبَيل الفجرِ، دخل المسلمون الحصنَ ودار قتالٌ شديدٌ، وكتب الله النصرَ للمؤمنين، وكان هذا الانتصارُ بعد لحظات من شروق الشمس، وضاعت صلاةُ الصبح في ذلك اليوم ويحزن أنس رضي الله عنه لضياع صلاة الصبح مرةً واحدةً في حياته، مع أنهم كانوا مشغولين بالجهاد ذروة سنام الإسلام، لكن الذي ضاعَ شيءٌ عظيم وهو صلاة الصبح.

يا من تتكاسلُ عن صلاة الفجر، يا تُرى لو كان عندك موعدُ طائرةٍ أو قطارٍ وقتَ الفجرِ، هل يفوتُك أو تقومُ من نومِك وتذهبُ في الموعدِ؟

لو أن شخصًا سيُعطيك ألفَ جنيه في وقت الفجر يوميًّا، هل كنتَ تذهبُ أو تظلُّ نائمًا؟

قال راغب السرجاني: عشت في أمريكا فترةً، وكنت أذهب لصلاةِ الفجر في المسجد وأرجعُ منه الساعةَ السادسة صباحًا، فكنت أجد الطريقَ السريعَ مليئًا بالسيارات عن آخرِه في الساعة السادسة صباحًا، استيقظوا في وقت الفجر كي يذهبوا إلى دنياهم وأعمالِهم، كلُّهم قد قاموا الرابعة أو الخامسة؛ ليخرجوا السادسة إلى عملهم.

وكنت أرى في طريقي لصلاة الفجر أصحابَ الرياضة في الشوارع قبل الفجر، يجرون في الهواء النقيِّ في ذلك الوقت، وهناك أناسٌ قبل أن تذهبَ إلى العمل تُخرِجُ كلابَها للفسحة، ليستنشقَ هواءً نظيفًا.

وفقني الله وإياك أيها القارئ الكريم للمحافظة على صلاة الفجر، ولا حرمني الله وإياك خيرَها وبركتَها.

للاستماع للخطبة على موقع الصوتيات ساوند كلاود 👇

سعيد القاضي

محبكم طالب علم، وقارئ قرآن، وباحث ماجستير في الشريعة. مسلم سني، لا أنتمي لأي حزب أو جماعة ❤

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى