Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
رقائق

كنت في جنازة ..

وأنا أمشي بين القبور رأيتُ كلَّ الموتى في حفرة ضيقة، أردتُ أن أميز الغني من الفقير، والله ما استطعت.

أين مَن عمل الصالحات، ومن تلبَّس بالسيئات؟

من منهم في قبره منعَّم مسرور، ومن في هَمٍّ وشقاءٍ؟

سعينا بميتنا إلى قبره ونحن جمعٌ غفيرٌ، كلنا نلهج إلى الله بالدعاء أن يغفر له ويرحمه ويهوِّن عليه الكربات.

رأيت رجلًا لا يفصله عن القبر إلَّا مِتران، والناس يغطون الميتَ بالتراب، وقد أَخرج صاحبنا هاتفه وردَّ على المكالمة وهو على القبر.

أمَا استطاع هذا أن ينسى الدنيا وأهلَها دقائق معدوداتٍ، ويتفكَّر كيف ينجو مما في القبر من كرباتٍ؟

نشكو إلى الله قلوبًا قسَت، لآخرتها نسَت، وبدنياها انشغلَت.

خرجنا من الجنازة فإذا جماعة من الناس قد اصطفُّوا في صفٍّ طويل؛ يودِّعون الناس قائلين: شكر الله سعيكم.

ألا جعلوا هذا الوقتَ للوقوف عند القبر والدُّعاء لهذا الميت المسكين؟!

اللهمَّ ارزقنا فهمًا سديدًا، وعقلًا رشيدًا.

رأيت جمعًا غفيرًا قد ساروا خلفَ هذا الميت، منهم من يبكي، وإنما يبكي في جنائزنا أهلُ الميت المَكْلومين لفراقِه.

ومنهم من بدت عليه السكينة، قد تفكَّر في مآله، وندِم على حاله، وقليلٌ ما هم، فاللهم ارزقنا عبادةً صالحةً قبل الموت.

تساقطَت دمعة من عين صديقٍ أو قريبٍ، ثم غطَّى جفنَه ما بقي من عبراتٍ، وعاد الجميع إلى بيتِه، وبقِيَ صاحبنا وعملُه، إن كان عمِلَ صالحًا فهو أسعدهم، وإن كان غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسه.

في الجنازة سمعتُ الصُّرَاخَ والبكاءَ والعويل، فعجبت لِمَ ينوحون على موتاهم؟!

إن كانوا صالحين فهنيئًا لهم، وإن كانوا غير ذلك فما يغني عنهم بكاءٌ ولا نحيب، وإنما يحتاجون إلى دعوة صالحة.

السعيد من وُعِظ بغيره، والشَّقيُّ من وقَع في حبائل الشيطان، فما وُعِظ بنفسه ولا بغيرِه، بل وُعِظ غيرُه به.

تذكَّرتُ هذه الكلماتِ وأنا على شفير القبر، مُتفكِّرًا في هذا الميت، لو عاد إلى الحياة، ما كان صانعًا؟

ما أخشع تشييع الجنازة في الظلام!

كلُّ باكٍ فسيُبْكى

كل ناعٍ فسيُنْعى

كل مذكورٍ سيُنْسَى

ليس غير الله يبقَى

مَن علا فالله أعلَى

اللهمَّ ارحمنا إذا صِرْنا تحت التراب.

يومًا ما في جنازة ظللْتُ أدقِّقُ النَّظرَ في أعيُن النَّاس لعلِّي أظفر بدامعٍ، فوربِّ السماء والأرض لقد انقلبَ البصرُ إليَّ خاسئًا وهو حسيرٌ.

على الجنازة اضطرني بعض النَّاس لأقول موعظةً أُذكِّرُ فيها بالآخرةِ حتى ينصِتَ النَّاس ويقل كلامُهم.

يا ألله!

أيحتاج الناس إلى موعظةٍ وهم يرون صاحبَهم قد مات، وها هم يضعونَه في قبرِه حيث لا أنيسَ ولا جليسَ إلَّا العمل الصالح؟

كفى بالموت واعظًا.

إن احتاج هؤلاء إلى موعظة وهم على شَفير القبر فإنَّا لله وإنا إليه راجعون!

اللهمَّ اجعلنا ممن اعتبر بحالِه، وأخَد من حاضره لمستقبله، واجعل لنا في قبورنا نورًا وضياءً، وارحم موتى المسلمين، وثبِّتنا على درب نبيِّك الأمين.

سعيد القاضي

محبكم طالب علم، وقارئ قرآن، وباحث ماجستير في الشريعة. مسلم سني، لا أنتمي لأي حزب أو جماعة ❤

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى