Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الخطب المكتوبة

الدعاء يصنع العجائب

إن للدعاء شأن عظيم، وخطب جليل، به ينجو العبدُ من شقاءِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ، ويفوزُ بالجنانِ والعيشِ الرغيدِ، به تنكشفُ الكرباتُ، وتزولُ البليَّاتُ، به تنزِلُ الخيراتُ، وتحُلُّ البركاتُ.

يا من تشكو ضيقًا في صدرِك!
يا من يشكو شظَفَ العيشِ وضيقًا في الرزقِ!
يا من حُرِم الولدَ؟
يا من كبَّلته الذنوبُ وأرهقتْه المعاصي؟
يا من طرق بابَ أهلِ الأرضِ فسُدَّتْ في وجهِه!
اطرُقْ بابَ ربِّك، تذلَّلْ إليه، وابكِ بين يديه، وتضرَّعْ إليه، سلْه حوائجَك، إنّ أمرَ الكون بيدِه، كل شيءٍ خاضعٌ لعظمتِه وسلطانه.

قال الله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77].
والمعنى: قل: ما يعبأْ بكم ربي، وما يكترِثُ بكم، ولا يهتَم لكم، ولا قدْرَ لكم يستوجِب الاكتراثَ والمبالاةَ، لولا دعاؤكم إيَّاه، واختلفوا في معنى: {دُعَاؤُكُمْ} فقال بعض أهل العلم، أي: عبادتُكم له وحده جل وعلا، فهو خطابٌ عام للكافرين والمؤمنين، ثم أفرد الكافرين دون المؤمنين بقوله: {فَقَدْ كَذَّبْتُم} الآية.

عن أبي إدريسٍ الخولانِيّ رحمه الله، عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي ﷺ فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي! إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسِي، وجعلتُه بينكم محرَّمًا، فلا تظَالموا. يا عبادي! كلُّكم ضالٌّ إلا من هديتُه، فاستهدوني أهدِكم. يا عبادي! كلُّكم جائعٌ إلا من أطعمتُه، فاستطعمُوني أطعِمْكم، يا عبادي كلُّكم عارٍ إلا من كسوتُه، فاستكسُوني أكسُكم. يا عبادي إنكم تُخطئون بالليلِ والنهارِ، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعًا، فاستغفِروني أغفِرْ لكم. يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضَرِّي فتضرُّوني، ولن تبلُغوا نفعي فتنفعوني.

يا عبادي! لو أن أولَكم وآخرَكم وإنسَكم وجنَّكم كانوا على أتقى قلبِ رجلٍ واحدٍ منكم، ما زاد ذلك في مُلكِي شيئًا. يا عبادي! لو أن أولَكم وآخرَكم وإنسَكم وجنَّكم كانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ، ما نقَصَ ذلك من مُلكي شيئًا. يا عبادي! لو أن أولَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ مسألتَه، ما نقَص ذلك مما عندي إلا كما ينقُصُ المِخيطُ إذا أُدخِل البحرَ. يا عبادي! إنما هي أعمالُكم أحصِيْها لكم، ثم أوفِّيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمَد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه). قال سعيد: كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه. [أخرجه مسلم].

قال ربنا سبحانه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55].

وقال جل شأنه: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 14].

إن للدعاء فضلًا عظيمًا، وثوابًا جزيلًا، وها أنا ذا أذكر لك بعض فضائلِ الدعاء لتكون مُحفِّزا لك للمداومة على الدعاء ليلًا ونهارًا، سرًا وجهارًا، سجدًا وقيامًا.

(١)- وعد الله أن يستجيب لمن دعاه بصدق:

قال ربنا سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وقال جل شأنه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ أنه قال: (لا يزالُ يُستجابُ للعبدِ، ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحمٍ، ما لم يستعجِل).
قيل: يا رسول الله! ما الاستعجالُ؟
قال: يقول: (قد دعوتُ وقد دعوتُ، فلم أرَ يستجِيبُ لي، فيستحسِرُ عند ذلك ويدَعُ الدعاءَ). [أخرجه مسلم، والبخاري. يستحسر: يتعب وينقطع].

قال العلماء: يجب على العبدِ أن يكون أبدًا في دعائه مُظهرًا الحاجةَ والطاعةَ لله تعالى، وألا يكونَ غرضُه من الدعاءِ ما يريدُ فقط، فإذا لم ينلْه ثقُلَ عليه الدعاءُ، بل الواجبُ إدامةُ الدعاءِ، وتركُ اليأسِ من الإجابةِ، ودوامُ الرجاءِ، والإلحاحُ في الدعاءِ؛ فإن الله يحبُّ المُلحِّينَ عليه في الدعاءِ.

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: (إن الله حييٌّ كريمٌ يستحيي إذا رفعَ الرجلُ إليه يديه أن يردَّهما صِفرًا خائبتين). [أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. روي مرفوعًا وموقوفًا، والوقف أصح. صفرًا: خالية].

بل إن الله تعالى يجيبُ دعاءَ الكافر إذا دعاه صادقًا مخلصًا، كما قال سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65].

فهذا وعدٌ من الله لمن دعاه صادقًا مخلصًا أن يُجِيبَ دعاءَه، لأنه سبحانه ليس بحاجةٍ لأن يعِدَ أحدًا، وإذا وعد فإنه لا يُخلِفُ وعدَه أبدًا جلَّ شأنُه.

(٢)- الدعاء هو العبادة:

قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: (إن الدعاءَ هو العبادةُ)، ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]. [أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة بسند صحيح].

قال العلماء: ومعناه أنَّ الدعاءَ مُعظَمُ العبادةِ، أو هو العبادةُ الحقيقيةُ التي تستأهِلُ أن تُسمَّى عبادةً؛ لدلالته على الإقبالِ على الله، والإعراضِ عما سواه، بحيث لا يرجو ولا يخافُ إلا إياه؛ فالدعاءُ فيه إظهارُ العبدِ غايةَ التذلُّلِ والاستكانةِ، وفيه إظهارُ الافتقارِ إلى الله، والاعترافُ بأنَّ الله تعالى قادرٌ على إجابته، وما شُرِعَت العباداتُ إلا للخضوعِ للباري وإظهارِ الافتقارِ إليه.

وقال إبراهيم u: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}، [مريم: 48]، قال الله تعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا} [مريم: 49].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: (ليس شيءٌ أكرمَ على الله من الدعاءِ). [أخرجه أحمد، والبخاري في “الأدب المفرد”، والترمذي، وابن ماجة. وفيه عمران القطان مختلف فيه، وهو حسن ما لم يأت بمنكر، بإسناد حسن].

قال العلماء: ليس شيءٌ من الأذكارِ والعباداتِ أفضلُ عند الله من الدعاءِ؛ لأن فيه إظهارَ الفقرِ والعجزِ، والتذللِ والاعترافِ بقوةِ الله وقدرته.

(٣)- الداعي في معيَّة الله:

عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (إن الله يقول: أنا عند ظنِّ عبدي بي وأنا معه إذا دعاني). [أخرجه مسلم. ورواه أبو صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني].

وهذه معية التوفيقِ والهدايةِ والعنايةِ، فإذا دعوتَ الله وتضرعْت بين يديه كان معك، فيحفظُك، ويوفقُك، ويرعاك، وياله من شرفٍ عظيمٍ أنت تكون من الصفوةِ الذين اختصَّهم الله بمعيتِه الخاصةِ.

(٤)- من لزم الدعاء لابد أن يربح:

عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: (ما من مسلم يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رحمٍ، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاثٍ؛ إما أن تُعجَّلَ له دعوتُه، وإما أن يدخِرَها له في الآخرةِ، وإما أن يصرِفَ عنه من السوءِ مثلَها”، قالوا: إذًا نُكثِر، قال: “الله أكثَرُ). [أحرجه أحمد، والحاكم بسند حسن].

قال العلماء: (الله أكثر): فضلُ اللهِ أكثرُ، فما يُعطِيه من فضلِه وسعةِ كرمِه أكثرُ مما يُعطِيكم في مُقابلةِ دعائكم، فأكثروا ما شئتم، فإنه تعالى يُقابِل أدعيتَكم مما هو أكثر منها وأجلُّ. وقيل: الله أغلبُ في الكثرةِ، فلا تُعجِزونه في الاستكثارِ، فإن خزائنَه لا تنفَد، وعطاياه لا تفنى. وقيل: الله أكثرُ إجابةً من دعائِكم. قلت: كله محتَملٌ إن شاء الله.

فتخيل أنك جئتَ يوم القيامةِ فرأيت في صحيفتِك حسناتٍ كثيرةً، ما هي بصلاةٍ ولا صيامٍ ولا زكاةٍ، إنها دعواتٌ دعوتَ بها، لم يُجِبْها الله لك، لكنه سبحانه وتعالى أدخَرَها لك يومَ القيامة حسناتٍ يُثَقِّلُ بها ميزانَك. فلا تنقطِعْ أبدًا عن الدعاء، حتى إذا لم ترَ إجابةً في الدنيا فإن الخيرَ العظيمَ ينتظرُك في الآخرةِ.

)– بالدعاء يفرج الله الهم:

عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (ما أصابَ أحدًا قطُّ همٌّ ولا حزَنٌ، فقال: اللهم إني عبدُك، ابنُ عبدُك، ابن أمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك، سمَّيتَ به نفسَك، أو علمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حُزني، وذهابَ همِّي، إلا أذهَب الله همَّه وحُزنَه، وأبدلَه مكانَه فرَحًا).
قال: فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلَّمُها؟
فقال: (بلى، ينبغي لمن سمِعَها أن يتعلَّمَها). [أخرجه أحمد، والحاكم. وفيه أبو سلمة الجُهني جهَّله بعض العلماء، وقال بعضهم: بل هو أبو سلمة الجهني موسى بن عبد الله، وهو ثقة، فالله أعلم].

فإذا أصابتْك الهمومُ، وملأَ الحزنُ قلبَك فقُم وتذلَّلْ بين يدي ربِّك، وسلْه تفريجًا لهمومِك، وتيسيرًا لأمورِك، إن قلبَك بيدِه، وكلُّ أمرِك خاضعٌ لسَطوتِه جلَّتْ قدرتُه.

)– بالدعاء يكشف الله الضر:

قال سبحانه: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].
وقال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83].

وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق: عن أبي بكر محمد بن داود قال: كان بدمشق رجلٌ له بغل يُكرِيه من دمشق إلى تل الزَّبَداني، ويحمِلُ عليه الناس، فذكر أنه أكرى بغلهُ مرةً رجلٌ يحمِلُ عليه متاعًا له بأُجرةٍ معلومةٍ، فلما صار خارج الدرْبِ لقِيَه رجلٌ وسأله أن يحمِلَه على رأسِ الحمل، ويأخذ منه أُجرتَه، قال: فرغِبْت في الكِرَاءِ، وحملَه فوق الحمل.
فلما صِرنا ببعض الطريق قال لي: هل لك أن تأخُذَ بنا هذا الطريقَ؛ فإنه مختصرٌ، ويجئ عند مفرق طريقين.
فقلت له: أنا لا أخْبَر هذا الطريقَ، ولا أعرفه.
فقال: أنا أعرفه، وقد سلكتُه مِرارًا كثيرةً.
قال فأخذتُ في ذلك الطريقِ، فأشرفْتُ على موضع وعْرٍ وحْشٍ، ووادٍ عظيمٍ هائلٍ، واستوحشتُ، وجعلتُ أنظر يمنةً ويسرةً ولا أرى أحدًا، ولا أرى أي إنسان.

قال: فبينا أنا كذلك إذا به يقول لي: امسك برأسِ البغلِ حتى أنزلَ، فقلت له: أيش تنزلُ وقد أشرفتَ في هذا الموضعِ، مُرْ بنا نلحَق البلدَ بوقتٍ.
فقال: خذ ويلَك برأسِ البغلِ حتى أنزلَ، وقد أشرفت على واد عظيمٍ يخايل لي أن فيه أقواما موتى، فأمسكتُ برأسِ البغلِ حتى نزل، ثم شدَّ على نفسِه ثيابَه، وأخرجَ سكينًا عظيمًا من وسطه، وقصدني به ليقتُلَني.
فعدوت من بين يديه وأنا أقول: يا هذا خذِ البغلَ وما عليه.
فقال هذا هو ولي، وإنما أريد قتلَك، فخوَّفتُه بالله عز وجل، وتضرعْتُ إليه، وبكيتُ، وحذرتُه من عقوبة تلحقُه؛ فأبى، وقال: ليس بُدٌّ من قتلك، فاستسلمتُ في يدِه، وقلت: دعني أصلي ركعتين، ثم افعَلْ ما بدا لك.
فقال: افعل ولا تُطوِّل.

قال: فابتدأت بالتكبير، وأرتجَّ عليَّ القراءة حتى لم أذكر من القرآن حرفًا واحدًا، وأنا واقفٌ متحيِّرٌ، وهو جالسٌ بحذائي يقول: هيه افرُغْ، فأجرى الله على لساني بعد وقتٍ فقرأت: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62].
فإذا أنا بفارسٍ قد أقبلَ من نحو الوادي، وبيدِه حَربةٌ، فرمى بها الرجلَ فما أخطأت فؤاده، وخرَّ صريعًا، فتعلقتُ بالفارس وهو منصرفٌ، وقلت له: بالله من أنت الذي منَّ الله على حياتي بظهورِك؟
فقال: أنا رسولُ من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشفُ السوءَ.
قال: فأخذتُ البغلَ والحمل، ورجعتُ إلى دمشق سالمًا.

(٧)- بالدعاء ترزق الولد:

قال إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 100 – 101].
وقال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 89 – 90].

(٨)- بالدعاء تشفى من المرض:

قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 83 – 84].

(٩)- بالدعاء ينجيك الله من الفتن:

قال الله تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: 33 – 34].

(١٠)- الدعاء يأتي بالنصر:

قال الله تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِر} [القمر: 10 – 14].
وقال الله تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 250].

وقال الله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 146 – 147].

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يومُ بدرٍ نظر رسولُ الله ﷺ إلى المشركين وهم ألفٌ، وأصحابُه ثلاثُ مائة وتسعةَ عشرَ رجلًا، فاستقبل نبيُّ الله ﷺ القبلةَ، ثم مدَّ يديه، فجعل يهتِف بربِّه: (اللهم أنجِزْ لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تُهلِكْ هذه العِصابةَ من أهلِ الإسلامِ لا تُعبَدُ في الأرضِ)، فما زالَ يهتِف بربِّه، مادًّا يديه مستقبلَ القبلةِ، حتى سقطَ رداؤه عن مَنكِبَيه.

فأتاه أبو بكرٍ فأخذ رداءَه، فألقاه على مَنكِبَيه، ثم التزمَه من ورائه، وقال: يا نبيَّ الله! كفاك مُناشدَتَك ربَّك، فإنه سيُنجِزُ لك ما وعدَك، فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9]، فأمده الله بالملائكة. [أخرجه مسلم].

(١١)- بالدعاء تغفر الذنوب:

قال آدم u وزوجته: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]. قال ربنا: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37].

وقال موسى u: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: 16].

وسبق قولُ الله عزَّ وجلَّ في الحديث القدسي: (يا عبادي إنكم تُخطِئون بالليلِ والنهارِ، وأنا أغفر الذنوبَ جميعًا، فاستغفروني أغفِرْ لكم).

وعن أنس بن مالك t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (قال الله تبارك وتعالى: يا ابنَ آدم إنك ما دعوتَني ورجوتَني غفرْتُ لك على ما كان فيك ولا أُبَالي .. ). [أخرجه الترمذي، وفيه كثير بن فائد مجهول. قال أبو حاتم: هذا حديث منكر، “علل الحديث”. قلت: لمعناه شواهد صحيحة].

(١٢)- الدعاء سبب لدفع غضب الله:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: (من لم يسأَلِ اللهَ غضِبَ اللهُ عليه). [أخرجه أحمد، والبخاري في “الأدب المفرد”، والترمذي. وفيه أبو صالح الخوزي ضعيف].

الله يغضَبُ إن تركْتَ سؤالَه **** وبُنيُّ آدمَ حين يُسأَلُ يغضَبُ

(١٣)- الدعاء يرد القدر:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: (ادعوا؛ فإن الدعاءَ يرُدُّ القضاءَ). [أخرجه الطبراني في “الدعاء”، بسند لم أقف له على علة. وفي الباب عن: معاذ، وثوبان، أنس، ابن عمر، سلمان، وعبادة، أبي هريرة، بأسانيد فيها مقال. وقال شيخنا: الحديث لا يصح].

وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علَّمني رسولُ الله ﷺ كلماتٍ أقولُهنَّ في الوترِ: (اللهم اهدِني فيمن هدَيتَ، وعافني فيمن عافيتَ .. ). [أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بإسناد صحيح].

قلت: يظهر لي والله أعلم أنَّ الدعاءَ يردُّ القدرَ بقدرٍ؛ فالله عزَّ وجلَّ قدَّرَ مثلا في علمِه منذ الأزل أن فلانًا سيُصيبُه مرضٌ، لكنه سوف يدعو الله عزَّ وجلَّ أن يُعافِيَه من المرض ويصرِفَ عنه البلايا، وسوف يُجيبُ الله دعاءَه ويصرِفُ هذا عنه المرضَ، ولو أنه تركَ الدعاءَ لأصابه الله بهذا المرضِ. وقدَّرَ الله سبحانه أن فلانًا سيظَلُّ على الكفرِ سنين طويلةً، لكنه سوف يدعو الله صادقًا أن يهدِيَه إلى الصراطِ المستقيمِ وأن يُبَصِّره بالحقِّ، وسوف يُجِيبُ الله دعاءَه ويهدِيَه إلى الإسلامِ، ولو أنه تركَ الدعاء لأماتَه الله على الكفرِ، وهكذا، هذا ما يظهَرُ لي، والله أعلم.

سعيد القاضي

محبكم طالب علم، وقارئ قرآن، وباحث ماجستير في الشريعة. مسلم سني، لا أنتمي لأي حزب أو جماعة ❤

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى