Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
رقائق

٤ حاجات تخليك تفكر ألف مرة وتخاف قبل فعل أي ذنب ولو كان صغيرًا جدًّا

عن الحارثِ بن سُويْدٍ رحمه الله قال: حدثنا عبد الله بن مسعود حديثين: أحدهما عن النبي ﷺ، والآخر عن نفسِه، قال: (إنَّ المؤمنَ يرى ذنوبَه كأنَّه قاعدٌ تحت جبلٍ يخافُ أن يقَعَ عليه، وإنَّ الفاجرَ يرى ذنوبَه كذبابٍ مرَّ على أنفِه فقالَ به هكذا).
قال أبو شهابٍ الزهري: بيده فوق أنفه.
ثم قال: (لله أفرحُ بتوبةِ عبدِه من رجلٍ نزلَ منزلًا وبه مَهلَكَةٌ..).

وأخرجه مسلم عن الحارث بن سُويدٍ رحمه الله قال: حدثني عبد الله حديثين: أحدهما عن رسول الله، والآخر عن نفسه، فقال: قال رسول الله ﷺ: (لله أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه المؤمنِ..).

قال المحب الطبري رحمه الله: إنما كانت هذه صفةُ المؤمنِ لشدَّةِ خوفِه من الله ومن عقوبتِه؛ لأنَّه على يقينٍ من الذنبٍ، وليس على يقينٍ من المغفرةِ، والفاجرُ قليلُ المعرفةِ بالله؛ فلذلك قلَّ خوفُه واستهانَ بالمعصيَةِ.

وانظر إلى أحدِ أصحاب النبيِّ ﷺ وخوفه من أن يكون قد عصى الله تعالى وتعرض لسخطه وعقابه؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: لمَّا نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] إلى آخرِ الآية، جلسَ ثابت بن قيس في بيتِه، وقال: أنا مِن أهلِ النارِ، واحتبسَ عن النبيِّ ﷺ. فسألَ النبيّ ﷺ سعدَ بن معاذ، فقال: (يا أبا عمرو! ما شأن ثابت؟ اشتكى؟)
قال سعد: إنَّه لَجَاري، وما علمتُ له بشكوَى.
قال: فأتاه سعد، فذكر له قول رسول الله ﷺ، فقال ثابت: أُنزِلت هذه الآية، ولقد علمْتُم أنِّي من أرفعِكُم صوتًا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأنا من أهلِ النارِ. فذكر ذلك سعدٌ للنبيِّ ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: (بل هو من أهلِ الجنةِ).

ما أتقاهم وأورعهم رضي الله عنهم، كانوا يخافون ذنوبَهم مع قلَّتِها وكثرة عبادتهم.

وعن عمار بن دادَا قال: قال لي كَهمس: يا أبا سلمة! أذنبْتُ ذنبًا فأنا أبكِي عليه منذ أربعين سنةً، قلت: ما هو؟
قال: زارَني أخ لي فاشتريتُ له سمكًا بدَانِق، فلمَّا أكلَ قمْتُ إلى حائطِ جارٍ لي، فأخذْتُ منه قطعةَ طينٍ، فغسلَ بها يدَه، فأنا أبكِي على ذلك أربعينَ سنةٍ.

قلت: وهذه مبالغةٌ لا تُمدَحُ، وقد كانت ذنوبُ القومِ خفيفةً، وكانوا يراقبون أحوالَهم، غفرَ الله لهم ورحمَهم، وجمعنا بهم في جناتٍ ونهرٍ.

إنَّ المؤمنَ يخشى ذنوبَه وإن كانت صغارًا لأسباب؛ منها:

قال الله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].

قال قتادة رحمه الله: اشتكى القومُ كما تسمعون الإحصاء، ولم يشتكِ أحدٌ ظلمًا، فإياكم والمحقَّراتِ من الذنوب؛ فإنها تجتمعُ على صاحبها حتى تُهلِكَه..

١- الله تعالى يُحاسِبُ عبادَه على الصغيرِ والكبيرِ:

وقال سبحانه وتعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8].

فكل عملِك مكتوبٌ ومحصًى، الصغير والكبير؛ {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].

📖📖📖

٢- المؤمنُ ينظرُ إلى عِظَمِ من عصاه وهو الله سبحانه:

عن هلال بن سعد رحمه الله قال: لا تنظُرْ إلى صِغَر الخطيئة، ولكن انظُرْ إلى مَن عصيت.

وعن الفضيل بن عِياض رحمه الله قال: بقدر ما يصغُر الذنب عندك يعظُم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله.

وهَبْ أن لملِكٍ حمًى، فهل يجرؤُ أحدٌ على التعدي على حمى الملك؟!

إن لكل دولةٍ حدودًا عليها حراس يحمُونَها، ويُراقِبون تحرُّكات الناس، ولا يجوزُ لأحدٍ كائنًا مَن يكون أن يتجاوزَ حدود هذه الدولة إلا بموافقةٍ منهم، ولهم شروط لا بد له أن يأتي بها، وإلا لم يسمَحوا له، فإن تجرَّأ ودخل حدودهم دون إذنٍ، تعرَّض لعقابِهم وعذابِهم، وإن لم يقترف ذنبًا، وإن لم يرتكب جرمًا، فكفاه جرمًا عندهم أنه دخل حدودَ بلدهم دون إذنٍ منهم.

ولله المثل الأعلى، فإن هذا الذي عصى الله سبحانه قد تعدَّى حمى الله تعالى، وخالف أمره، وانتهك حرمتَه، وإن كان الذي فعله ذنبًا يسيرًا، لكن إنْ عظُم الذنب كانت العقوبة أعظم، ولا يلزم لصغرِ الذنب السلامةُ مِن العقاب.

📖📖📖

٣- قد يظنُّ العبدُ الذنبَ صغيرًا، لكنه عند الله عظيمٌ:

إن نظرةَ الناسِ للذنوب تختلف جدًّا عن نظر الله سبحانه وتعالى، فربما يظن الناس ذنبًا ما يسيرًا هيِّنًا عند الله تعالى، لكنه عند الله سبحانه عظيم وكبير، وانظُرْ كيف استهان المنافقون وضِعافُ الإيمان بالخَوض في عِرْض عائشة رضي الله عنها، وتناقلوا هذا الإفك؛ ظنًّا منهم أن تناقُلَه أمرٌ هيِّن، فنزل قول الله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ. إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ. يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور: 14 – 17]. تحسبون الكلام في الأعراض سهلًا؟ إنه ذنب قد يَهلِكُ بسببه العبدُ وهو لا يدري.

ذكروا عن بعضِ السلف أنه خاف عند موته، فقيل له في ذلك، فقال: إني أخاف ذنبًا لم يكن لي على بال وهو عند الله عظيم.

وصح عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ للنبي ﷺ: حسبُك مِن صفيةَ كذا وكذا، تعني قصيرة، فقال: (لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجت بماء البحر لمزجَتْه)، قالت: وحكيتُ له إنسانًا، فقال: (ما أحب أني حكيتُ إنسانًا وأن لي كذا وكذا).

وحسن الظن بعائشة رضي الله عنها يجعلنا نقول: لعلها لم تكن تعلم بحرمة هذا، أو لعلها أخطأت ثم استغفرت الله مِن هذا، ولا يُظَن بها رضي الله عنها إلا خير، قد تتكلَّم في مسلم بكلمةٍ تظنُّها يسيرة، لكنه يأخذ منك بهذه الكلمة يوم القيامة حسناتٍ كثيرة، فكُن على حذرٍ سلَّمني الله وإياك.

📖📖📖

٤- العاصي قد عرض نفسه لغضب الله وعقابه:

هَبْ أن رجلًا عصى أمرَ أميرِه، فهل تراه يَسْلم من العقوبة؟ قد يعفو عنه وقد يعاقبه، وكذلك العاصي لله سبحانه وتعالى قد عرَّض نفسه لغضبِ الله وعقابه، وما دام مِن أهل التوحيد، فقد يعفو الله عنه، وقد يُعاقِبه ويغضبُ عليه، فلماذا تضعُ نفسَك في هذا الموقف الحرج؟

إن اقتراف الإنسان الذنوبَ والمعاصيَ يُشبِه إنسانًا تسلَّل حدود دولة أجنبية، وحرسُ الحدود لهم الصلاحيات في إطلاق النار على كل مُتسلِّلٍ، ولو على شبرٍ واحد، وليس هناك فرق بين أن يجتاز مترًا واحدًا من هذه الحدود أو ألف متر، فهو إنسان متعدٍّ في كل الأحوال، وهكذا مَن عصى الله ولو في ذنبٍ صغير، فإنه قد عرَّض نفسَه لغضب الله وعقابه؛ لتعدِّيه على حدود الله سبحانه، وانتهاكه لحرماته، قال الله تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229]، وقال سبحانه: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1].

سعيد القاضي

محبكم طالب علم، وقارئ قرآن، وباحث ماجستير في الشريعة. مسلم سني، لا أنتمي لأي حزب أو جماعة ❤

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى