Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الخطب المكتوبةواقعنا

القدس الأرض المباركة.. لماذا نحب المسجد الأقصى والقدس، وبماذا فضله الله؟ ومتى وكيف تكون نهاية دولة إسرائيل ويحرر القدس؟

في ١٧ محرم ١٣٣٦هـ، ٢ نوفمبر ١٩١٧م، كتب آرثر جيمس بلفور  وزيرُ خارجية بريطانيا إلى اللورد ولتر روتشيلد المصرفيِّ اليهوديِّ البريطانيِّ: يسرُّني جدًا أن أُبلّغَكم بالنيابة عن حكومة جلالته التصريحَ التالي الذي ينطوي على العطفِ على أماني اليهودِ والصهيونيةِ، وقد عُرِض على الوزارة وأَقَرَّته:
“إن حكومةَ صاحب الجلالة تَنظرُ بعين العطف إلى إقامةِ مقامٍ قوميٍّ في فلسطينَ للشعب اليهوديّ، وستبذلُ غايةَ جهدِها لتسهيل تحقيقِ هذه الغايةَ، على أن يُفهَمَ جليَّا أنه لن يُؤتَى بعملٍ من شأنه أن يَنتقِصَ من الحقوق المدنيةِ والدينيّةِ التي تتمتعُ بها الطوائفُ غيرُ اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوقِ أو الوضعِ السياسيِّ الذي يتمتعُ به اليهود في أي بلدٍ آخرَ”. وسأكون ممتنًا إذا ما أحطتم الاتحادَ الصهيوني علمًا بهذا التصريح.

وبعد الحرب العالمية الأولى سقطت الدولة العثمانية، واحتلت بريطانيا فلسطين رسميًّا في ١٩ محرم ١٣٤١، وأعلنت هدفًا لها تحقيقَ وعدِ بلفور، وفتحوا البابَ أمام اليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين وإقامة بيت وطنيٍّ يهوديٍّ فيها.

وظلَّ اليهود يتوافدون على أرض فلسطين من كلِّ بقاع الدنيا، وفي ١٥ محرم ١٣٦٧، ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧م صدر قرار الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدةِ بإنهاء الانتدابِ البريطانيّ، وتقسيم فلسطين إلى:

١- دولة عربية: تبلغ مساحتها ١١ ألف كم٢.

٢- دولة يهودية: تبلغ مساحتها ١٥ ألف كم٢.

٣- القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، تحت وصاية دولية.

في ٥ رجب ١٣٦٧، ١٤ مايو ١٩٤٨م أعلن المجلسُ اليهودي الصهيوني في تل أبيب قيامَ دولةِ إسرائيل.

وقامت من يومِها حروبٌ بين اليهود والمسلمين العربِ من المتطوعين ومن الجيوش النظامية من مصر والعراق والسعودية وغيرها، واستمرت الحرب إلى ٧ يناير ١٩٤٩، وانتهت بهزيمة المسلمين، وإنشاءِ اليهودِ دولةً لهم، واعترَفَ بها كثيرٌ من دول العالم.

ثم قُسِمت القدسُ إلى شطرين؛ الجزءُ الغربي الخاضع لإسرائيل، والجزء الشرقي الخاضع للأردن، وبعد حرب ربيع أول ١٣٨٧، يونيو ١٩٦٧ احتل اليهودُ القدس الشرقية، وبقي المسجدُ الأقصى وقبة الصخرة خاضعَين للأوقاف الإسلامية، وبعد ذلك في ١٧ رمضان١٤٠٠هـ، ٣٠ يوليو١٩٨٠م أعلن اليهود أنَّ أوشليم القدس عاصمة أبدية لهم.

إنَّ الحديث عن المسجد الأقصى والقدس ومكانتها في الإسلام، حديثٌ ذو شجون، وإنه ليبعث في النفوس الأمل، ويشحَذ الهِمَم؛ لتحرير هذه الأرض المباركة من دَنَس اليهود المغتصبين.

لماذا القدس؟

إن القدس يعني الطُّهر والبركة، فلقد بارك ربنا سبحانه في هذه البقعة من الأرض، وشرَّفها وفضَّلها على غيرها من الأرض، خلا مكة والمدينة.

وسُمِّي المسجد الأقصى بذلك لبُعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام، وقيل: لبعده عن الأقذار والخبائث، وقيل: لأنه لم يكن وراءه موضع عبادة، والله أعلم.

ومن فضائل مدينة القدس والمسجد الأقصى:

١- القدس أرض مباركة ومقدسة:

قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].

وقال سبحانه: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 81]، قال العلماء: الأرض هي بيت المقدس.

وقال الله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137].

وقال سبحانه: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71].

وقال سبحانه: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} [سبإ: 18]، قيل: القرى المبارك فيها قرى بيت المقدس، وقيل: الأرض في الآيات الثلاث أرض الشام، والقدس من الشام.

وقال موسى عليه السلام لقومه: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 21]، والأرض هنا بيت المقدس، سمَّاها مقدَّسة؛ لأنها طهرت من الشرك، وجُعلت مسكنًا للأنبياء والمؤمنين.

٢- المسجد الأقصى مسرى رسول الله ﷺ ومنه عُرج به إلى السماء:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (أتيت بالبُراق، وهو دابة أبيضُ طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافرَه عند منتهى طرفه).، قال: (فركبته حتى أتيتُ بيتَ المقدس)، قال: (فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء).
قال: (ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خَمر، وإناء من لبن، فاخترتُ اللبن، فقال جبريل: اخترتَ الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء). [أخرجه مسلم].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياءَ من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربةً ما كربت مثله قط).، قال: (فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلِّي، فإذا رجل ضرب جعد؛ كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائم يصلي، أقرب الناس به شبهًا عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي، أشبه الناس به صاحبكم – يعني نفسه – فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد، هذا مالك صاحب النار، فسلِّم عليه، فالتفتُ إليه، فبدأني بالسلام). [أخرجه مسلم].

ولم يكن اختيار المسجد الأقصى مسرًى لرسول الله ﷺ اعتباطيًّا، فما كان ذلك إلا لعظيم مكانته وشرفه وبركته.

٣- المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى:

كانت القبلة إلى المسجد الأقصى مدة ستة أو سبعة عشر شهرًا قبل نسخها وتحويلها إلى الكعبة بيت الله الحرام.

قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143].

عن البراء بن عازب رضي الله عنه، (أن رسول الله ﷺ صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى – أو صلاها – صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي ﷺ قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا، لم ندر ما نقول فيهم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143]). [أخرجه البخاري، ومسلم].

٤- المسجد الأقصى ثاني مسجد وُضِع في الأرض:

هو ثاني المساجد في الأرض بعد المسجد الحرام؛ قال: سمعت أبا ذر رضي الله عنه، قال: قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: (المسجد الحرام).
قال: قلتُ: ثم أي؟
قال: (المسجد الأقصى).
قلت: كم كان بينهما؟
قال: (أربعون سنةً، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله، فإنَّ الفضل فيه). [أخرجه البخاري، ومسلم].

وقد ذكر بعضُ أهل العلم أنَّ آدم عليه السلام كان هو الذي وضع أساس المسجد الحرام والأقصى، وأن بناء إبراهيم عليه السلام للمسجد الحرام، وبناء سليمان عليه السلام للمسجد الأقصى كان بناءَ تجديد لا تأسيس، وإلا فبين إبراهيم وسليمان عليهما السلام ألفُ عام فيما يقولون، والله أعلم.

تنبيه: القول بأنَّ المسجدَ الأقصى ثالثُ الحرمين كلامٌ لا يصحُّ من حيث الاصطلاح الشرعي؛ لأنَّ الحرمَ ما يحرُم صيدُه وشجرُه، وأمَّا بيتُ المقدسِ فلا يحرم صيدُه ولا شجرُه كما هو الحال في الحرمين الشريفين مكة والمدينة.  

٥- المسجد الأقصى أحد ثلاثة مساجد إليها تُشَد الرحال:

أجمع أهل العلم على استحباب زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وأن الرِّحال لا تُشَدُّ إلا إلى ثلاثة مساجد، منها المسجد الأقصى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى). [أخرجه البخاري، ومسلم].

وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تشُدُّوا الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى). [أخرجه مسلم].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين أقبلت؟
فقلت: من الطور.
فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت إليه، سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: (لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام وإلى مسجدي هذا، وإلى مسجد إيلياء، أو مسجد بيت المقدس)؛ شك أيهما. [أخرجه أحمد بسند صحيح].

قلت: والقول بأنَّ المسجدَ الأقصى ثالثُ الحرمين كلامٌ لا يصحُّ من حيث الاصطلاح الشرعي؛ لأنَّ الحرمَ ما يحرُم صيدُه وشجرُه، وأمَّا بيتُ المقدسِ فلا يحرم صيدُه ولا شجرُه كما هو الحال في الحرمين الشريفين مكة والمدينة.

٦- الصلاة في المسجد الأقصى لها ثواب عظيم:

عن عبدالله بن عمرو قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إن سليمان بن داود عليه السلام سأل الله ثلاثًا، أعطاه اثنتين، ونحن نرجو أن تكون له الثالثة: فسأله حكمًا يصادف حكمه، فأعطاه الله إياه، وسأله ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد، خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فنحن نرجو أن يكون الله عز وجل قد أعطاه إياه). [أخرجه أحمد مطولا، والنسائي بسند صحيح].

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله ﷺ أيهما أفضل: مسجد رسول الله ﷺ، أو مسجد بيت المقدس، فقال رسول الله ﷺ: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، وليوشكنَّ أن يكون للرجل مثل شَطَنِ فرسه من الأرض؛ حيث يرى منه بيت المقدس، خيرٌ له من الدنيا جميعًا)، أو قال: (خير من الدنيا وما فيها). [أخرجه الحاكم بسند حسن. شَطَن فَرَسه: حبل فرسِه.].

وفي رواية: (ولنعم المصلى، هي أرض المحشر والمنشر). [أخرجها البزار، بسند فيه سعيد بن بشير].

وعن أبي الدرداء عن النبي ﷺ قال: (فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة، وفي مسجدي ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة). [أخرجه البزار، والبيهقي في “شعب الإيمان”، وحسن إسناده، لكن في سنده سعيد بن بشير أكثرهم يضعفه].

وعن أبي هريرة أو عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله ﷺ: (صلاة في مسجدي خيرٌ مِن ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الأقصى). [أخرجه أحمد، وهو معلول، والصحيح ما أخرجه البخاري، ومسلم بلفظ: (إلَّا المسجد الحَرام).].

وعن عبدالله بن عثمان بن الأرقم عن جده الأرقم: أنه جاء إلى رسول الله ﷺ، فسلم عليه، فقال: (أين تريد؟).
قال: أردت يا رسول الله ها هنا – وأومأ بيده إلى حيث بيت المقدس – .
قال: (ما يخرجك إليه، أتجارة؟)
قال: قلت: لا، ولكن أردت الصلاة فيه.
قال: (فالصلاة ها هنا – وأومأ إلى مكة بيده – خير من ألف صلاة – وأومأ بيده إلى الشام). [أخرجه أحمد، وهو معلول].

قلت: قد اختلفت الأخبار بفضل الصلاة في المسجد الأقصى على ما سواه من المساجد عدا الحرمين، فورد أنها تعدل ألف صلاة، ولا يصح به سند، وورد أنها تعدل خمسمائة صلاة، ولا يصح به سند، وأصح شيء حديث أبي ذر: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه)؛ يعني: الأقصى، والصلاة في مسجد النبي ﷺ أفضل من ألف صلاة فيما سواه؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي

قلت: قد اختلفت الأخبار بفضل الصلاة في المسجد الأقصى على ما سواه من المساجد عدا الحرمين، فورد أنها تعدل ألف صلاة، ولا يصح به سند، وورد أنها تعدل خمسمائة صلاة، ولا يصح به سند، وأصح شيء حديث أبي ذر: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه)؛ يعني: الأقصى، والصلاة في مسجد النبي ﷺ أفضل من ألف صلاة فيما سواه؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام). [أخرجه البخاري، ومسلم]، ومعنى هذا أن الصلاة في المسجد الأقصى أفضل من مائتين وخمسين صلاةً فيما سواه، إلا المسجد الحرام والمسجد النبوي، والله أعلم.

٧- دعا موسى عليه السلام ربه أن يدنيه من القدس عند موته:

كان من تعظيم موسى عليه السلام للأرض المقدسة وبيت المقدس – أن سأل الله تبارك وتعالى عند الموت أن يدنيه منها.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكَّه، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت.
فرد الله عليه عينه، وقال: ارجع، فقل له: يضع يده على متن ثور، فله بكل ما غطَّت به يده بكل شعرة سنة.
قال: أي رب، ثم ماذا؟
قال: ثم الموت.
قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رميةً بحجر)، قال: قال رسول الله ﷺ: (فلو كنت ثَمَّ لأريتُكم قبره، إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر). [أخرجه البخاري، ومسلم].

قال النووي: سؤال موسى عليه السلام الإدناء من الأرض المقدسة، فلشرفها وفضيلة من فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم.

٨- القدس أرض كثير من الأنبياء:

قال الله سبحانه: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71]؛ يعني إبراهيم ولوطًا عليهما السلام.

وقال سبحانه: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 81]، قال العلماء: الأرض هي بيت المقدس.

وحول المسجد الأقصى بُعِث أكثرُ الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، إنها فلسطين أرض الأنبياء والمرسلين، فعلى أرضها عاش إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف، ولوط وداود وسليمان وصالح، وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام، وغيرهم من أنبياء الله عليهم السلام.

٩- وصف الله تعالى القدس بأرض ذات قرار ومعين:

قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50]، قيل: الربوة: بيت المقدس، وقيل: دمشق، وقيل: الرملة، ورجَّح ابن كثير أنَّها بيت المقدس.

قال العلماء: والربوة: المكان المرتفع من الأرض، وهو أحسن ما يكون فيه النبات، {ذَاتِ قَرَارٍ} يقول: ذاتُ خِصْبٍ {وَمَعِينٍ} يعني: ماءً ظاهرًا، وقِيل: يعني: جاريًا.

١٠- القدس أرض المحشر والمنشر:

{وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} [ق: 41]، عن قتادةَ، عن كعبِ الأحبارِ: مَلَكٌ قائمٌ على صخرةِ بيتِ المَقدسِ يُنادِي: أيَّتُها العِظامُ الباليَةُ، والأوصَالُ المُتقطِّعة؛ إنَّ الله يأمرُكُنَّ أنْ تجتمِعْنَ لفصلِ القضاءِ.
وسبق في حديث أبي ذر رضي الله عنه: (وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى، هِيَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ).

١١- عصم الله المسجد الأقصى من دخول الدجال:

عن مجاهد رحمه الله قال: كنا ست سنين علينا جنادة بن أبي أمية، فقام فخطبنا، فقال: أتينا رجلًا من الأنصار من أصحاب رسول الله ﷺ، فدخلنا عليه فقلنا: حدثنا ما سمعت من رسول الله ﷺ، ولا تحدثنا ما سمعت من الناس، فشددنا عليه، فقال: قام رسول الله ﷺ فينا فقال: (أنذرتكم المسيح وهو ممسوح العين – قال: أحسبه قال اليسرى – يسير معه جبال الخبز وأنهار الماء، علامته يمكث في الأرض أربعين صباحًا، يبلغ سلطانه كل منهل، لا يأتي أربعة مساجد: الكعبة، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى، والطور، ومهما كان من ذلك، فاعلموا أن الله ليس بأعور، قال ابن عون: وأحسَبه قد قال: يُسلط على رجل فيَقتله، ثم يُحييه، ولا يُسلط على غيره). [أخرجه أحمد بسند صحيح].

١٢- فضائل فيها نظر:

قال الله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين: 1]، قِيلَ: التِّين: مسجد دمشق، والزَّيتون: بيت المَقدس، قلت: والأصحُّ أنَّه التِّين الذي يؤكَلُ، والزيتون الذي يُعصَرُ منه الزيت؛ قال الطبري رحمه الله: لأنَّ ذلك هو المعروفُ عند العربِ.

وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم مَن خالفهم، إلا ما أصابهم مِن لأَواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك).
قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟
قال: (ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس). [أخرجه أحمد، وفي سنده مقال بهذا اللفظ، وصححه بعض العلماء، فالله أعلم].

وعن أم سلمة زوج النبي ﷺ، أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول: (من أهلَّ بحجة أو عُمرةٍ من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، غفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة). [أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وفيه أم حكيم ويحيى بن أبي سفيان مجهولا الحال].

وعن عبدالله بن عمرو قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (ستكون هجرة بعد هجرة، فخيارُ أهل الأرض ألزمُهم مُهاجرَ إبراهيم، ويبقى في الأرض شِرارُ أهلها، تَلفِظهم أرضوهم، تَقذَرُهم نفسُ الله، وتَحشرهم النار مع القردة والخنازير). [أخرجه أحمد، وأبو داود، وفيه شهر بن حَوْشب ضعيف].

عن أبي عمران عن ذي الأصابع الخزاعي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إن ابتلينا بعدك بالبقاء أين تأمرنا؟
قال: (عليك ببيت المقدس؛ فلعله أن ينشأ لك ذرية يغدون إلى ذلك المسجد ويَروحون). [أخرجه أحمدـ، بسند صحيح].

مكانة القدس عند اليهود

يطلق اليهود على القدس اسم (أورشاليم)، ولها قدسية ومكانة عظيمة عندهم؛ فيذكرون أنَّه بعدما استولى عليها داود عليه السلام، نقل إليها تابوت العهد، ثم بنى سليمان فيها الهيكل، ويُطلقون عليها اسم (صِهْيون) في الموروث الديني، أما الشعب فهو (بنت صهيون)، وهي تضم أيضًا جبل صِهيون، وقبر داود، وحائط المبكى – هكذا يقولون – وكل هذه مقدسات عندهم.

ويذكرها اليهود في صلواتهم، وخاصة في الاحتفال بعيد الفصح؛ حيث يرددون: (نلتقي في العام القادم في أورشليم)، وهي المدينة التي كانوا يحجون إليها ثلاث مرات في العام.

وقد أحاطت كتب اليهود مدينة القدس بكثير من القوانين والأساطير، ووصفوها وأهلها بأعظم أوصاف المديح، فهي على سبيل المثال: (سُرَّة العالم، ولا يضاهيها في حُسنها مدينة أخرى)، ويذكرون أنَّ الإله خلق أورشليم عند خلقه العالم، وأقام خيمة الاجتماع فيها، وصلَّى متمنيًا ألا يعصيه أبناؤه وحبيبته؛ أي: أورشليم.

مكانة القدس عند النصارى

ظلت للقدس لبعض الوقت مكانتها الخاصة في الوِجدان المسيحي، فقد كانت فلسطين تُعَدُّ الوطن المقدَّس الذي ورَّثه المسيح لأبنائه المسيحيين، وكانت القدس تُوصَف بأنها (مدينة العهد الجديد المقدَّسة).

ولم تتضاءل أهمية هذه المدينة – مدينةً مقدَّسةً – إلا بعد عام 590م، حين أصبح عرش البابا جريجوري مركز السلطة المسيحية، وأصبحت لروما الحظوة على القدس، وأصبح أُسْقُفُّ القدس يحتل المرتبة الخامسة في السلسلة الهرمية لهيئة الكهنوت الكاثوليكية، ومع ذلك بقيت فلسطين الأرض المقدَّسة تتغلغل في حياة وخيال مسيحيي العصور الوسطى، وكانت الرحلة إلى الأرض المقدَّسة مطمحَ كلِّ مسيحي.

ولا تزال للقدس مكانتُها في الوِجدان المسيحي، رغم تَراجُع أهمية الحج على الأقل بالنسبة إلى المسيحيين الغربيين، ولكنْ للكنيسة القبطية موقف خاص من القضية، فالحج لا يزال من الشعائر المهمة بالنسبة إلى الأقباط، ومع هذا أصدر البابا قرارًا بتحريم أداء هذه الشعيرة طالما أن القدس تحت هيمنة الدولة الصهيونية، وأهم الآثار المسيحية في القدس كنيسة القيامة التي تضم قبر السيد المسيح، والكنائس المقامة على جوانب طريق الآلام.

كيف استطاع اليهود احتلال القدس؟

لا تظن أنَّ اليهود لعنة الله عليهم احتلوا القدس لشجاعة قلوبهم، أو كثرة مالهم، أو قوة عَتادِهم، لا والله، ما استهانوا بنا إلى لمَّا فرطنا في ديننا، ولا انتهكوا حرماتنا، ولا دنسوا مقدساتنا إلى لضعفنا.

فلهم ليسوا شجعان فيهزمونا بشجاعتهم، بل هم أجبين من خلق الله تعالى، ألم يقل ربنا سبحانه فيهم: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر: 14]؟

ألم يقولوا لنبيهم موسى عليه السلام لما أمرم بقتال الجبارين ودخول الأرض المقدسة: {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة: 22]، {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]؟

وليست أعدادهم كبيرة؛ بل إنهم والله شرذمة قليلون، وإن عدد اليهود إذا قورن بالمسلمين لا شيء يُذكر.

إن نسبة  المسلمين في العالم اليوم ٢٣%، ما مجموعه أكثر من مليار و٦٠٠ مليون، يتوزعون في قارات العالم السبع، في ٥٧ دولة إسلامية، على مساحة ٣٢مليون كم وعشرات الدول غير الإسلامية، ولك أن تعرف أن الأقلية المسلمة في دولة كالهند أكثر من ٢٥٠ مليون.

أمَّا اليهود ففي إحصاء معهد بيو بواشنطن ومعهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي في تل أبيب كان عدد اليهود  في العالم كله في سنة ٢٠١٣ أقل من ١٤ مليون، بنسبة  ١٩,٠% من سكان العالم. أمَّا في دولتهم اللقيطة إسرائيل فبلغ عددهم ٦ مليون و٣٧٧ ألف في عام ٢٠١٦ حسب تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية.

فأمام كل يهودي ٢٥٠ مسلم، وكما الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: لو أن كل مسلم بصق بصقة لأُغرِق يهود العالَم، ولو أنه نفخ نفخة وجُمعت هذه النفخات لأطارَتهم، ولو ألقى عليهم كل واحد نعله القديم لماتوا ودُفنوا في قبر من النعال!

صدق والله، لكن المشكلة ليست في العدد، وكما يقول المصريون في أمثالهم الشعبية: (العدد في الليمون)، ووالله لكأني أنظر إلى رسول الله ﷺ يرى واقعنا المر، وقد استهان بنا اليهود وغيرهم من حقراء الدنيا، وانتهكوا حرماتنا ومقدساتنا، وسلبوا خيرات بلادنا، لقد كان يعلم أننا سنكون يوما في هذا الموقف العصيب.

عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها).
فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟
قال: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن).
فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟
قال: (حب الدنيا، وكراهية الموت) [حسن بمجموع طرقه: أخرجه أحمد وأبو داود].

إن الأمم لا تنصر بعدد الرجال، فرب رجل بألف، وألف بخُفٍّ، وقد كتب عمر بن الخطاب عمرو بن العاص لما طلب مددًا في فتح مصر: إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألفٍ رجلٌ بألفٍ.

ولا تنصر الأمم بقوة السلاح، فقد كان مع اليهود في خيبر أحدث الأسلحة في زمانهم، ولديهم أقوى الحصون، فلم تُغنِ عنهم شيئًا، قال الله تعالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ} [الحشر: 2].

إنما تنصر الأمم بقوة قلوب رجالها، وعزائم شبابها، وبذلهم أرواحهم في سبيل قضيتهم، ووالله لن ينصر الله المسلمين على هؤلاء الشرذمة من اليهود وأذنابهم إلا إذا تمسكوا بدينهم، وكانوا على ثقة من وعد ربهم، ولم تتعلق قلوبهم لذات الدنيا الفانية، وكان نصب أعينهم رفع راية دينهم، وإعلاء كلمة ربهم.

ثم إنَّ الحقَّ يُقالُ؛ فإن اليهود قد بذلوا جهدا عظيما، بذلوا الغالي والنفيس في سبيل قضيتهم، في الوقت الذي فيه أكثر المسلمين يغطون في سبات عميق، لا يشغلهم دين ربهم، ولا قضية أمتهم، فهَمُّ كثيرٍ منهم رغيف الخبز، فاغتنم اليهود رقادَنا وواصلوا الليل بالنهار باذلين مُهَج قلوبهم لنصرة باطلهم.

هل يفتح المسلمون القدس؟

إننا على يقينٍ لا نشك فيه طرفة عين أننا فاتحون القدس يومًا ما، هذا وعد الله عز وجل، {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج: 47]، ووعد نبيِّه ﷺ.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود) [أخرجه مسلم].

وعن عبد الله بن عمر، أن رسول الله ﷺ قال: (تقاتلون اليهود، حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر، فيقول: يا عبد الله، هذا يهودي ورائي فاقتله” [أخرجه البخاري ومسلم].

وعن عوف بن مالك رضي الله قال: أتيت النبي ﷺ في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: (اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا” [أخرجه البخاري].

وعن عبد الله بن حوالة، عن رسول الله ﷺ قال: (لتفتحن لكم الشام، ثم ليقسمن كنوز فارس والروم، وليكونن لأحدكم من المال كذا وكذا، حتى إن أحدكم ليعطى مائة دينار فيسخطها)، ثم وضع يده على رأسي، فقال: (يا ابن حوالة! إذا رأيت الخلافة نزلت بأرض المقدسة فقد أتت الزلازل والبلايا والأمور العظام، والساعة أقرب إلى الناس من يدي هذه إلى رأسك) [مختلف فيه: أخرجه أحمد وأبو داود، وقد صححه بعض العلماء، وأعله آخرون، فالله أعلم].

فكن على يقينٍ أنَّ القدس سيعود للمسلمين، ووالله كأني باليهود وهم يقتلون شر قِتلة على أبواب القدس، ويُساقون في ذلة ومهانة إلى الأسر، قد فزعت قلوبهم، وامتلأت رعبًا من عباد الله المؤمنين، فحاولوا الفرار والاختباء من بطشهم، لكن أنَّى الفرار، وقد سلط الله عليهم عبادًا له أولي بأسٍ شديدٍ؟

فأبشروا يا عباد الله بنصر الله، وكونوا على ثقةٍ من وعده سبحانه وتعالى، ولئن أدركتنا المَنية وما شرَّفنا ربنا بصلاة في المسجد الأقصى فيكفينا شرفًا أن نموت ونحن نسعى جاهدين لتحرير القدس بتحرير أنفسنا من أسر الشهوات والملذات، وأن نُشرِبَ أولادَنا حبَّ مدينة القدس، وأن نغرس في قلوبهم حبَّ دينهم وبذل أرواحهم رخيصةً في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى.

لماذا تأخر النصر؟

إذا كنا على يقينٍ بأنَّ وعد الله تعالى بالنصر آتٍ ولا ريب؛ فلماذا تأخر النصر، ولا زلنا في ذلٍّ ومهانةٍ، ومقدساتنا تدنَّس، وحرماتنا تنتهك، ودماؤنا تسيل حتى روت الأرضَ من كثرتِها؟

لو أنَّك تأملت في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لعلمت سبب ذلك. قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء: 5]. وفي الحديث السابق: (يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله)، لقد كان هؤلاء صلاح الدين ومن معه، ولن يعود الأقصى إلا برجال مثلهم، عباد لله، لا لمنصب أو جاه، وانظر في حال المسلمين وسلْ نفسَك: هل نحن عباد لله حقًّا؟

هل عبد الله حقًّا ينام عن صلاة الفجر؟

هل عبد الله حقًّا يهجُرُ كتاب ربِّه، ويولِّه ظهرَه؟

هل عبد الله حقًّا يجاهر ربَّه بالعصيانِ ليلا ونهارا، دون توبة واستغفار؟

لو أنَّنا تأمَّلنا أسباب الهزيمة في القرآن الكريم لرأينا كثيرًا منها إن لم يكن جميعها قد شاع بين المسلمين، ويكفي أن نقف مع آية من كتاب الله:
{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152].

إن هذه ثلاثة أسبابٍ هُزُمَ المسلمون لأجلها وبينهم رسول الله ﷺ، وهي: الفرقة والاختلاف، وعصيان أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وحب الدنيا”، فهل ترانا لم نفعل هذه الأمور الثلاثة؟

وفي الحديث: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) [حسن بمجموع طرقه: أخرجه أحمد وأبو داود].

وأقولها آسفًا: لقد وقع كثيرٌ – أو أكثر – المسلمين في هذه البلايا الأربع.

وأمَّا أسباب النصر فنقف عند آية من كتاب ربنا، وهي قوله سبحانه وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 55، 56].

فهذه ثلاثة أسباب للنصر: (إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الرسول ﷺ)، وقد فرَّط كثيرٌ من المسلمين فيها.

بل إن الواقع يشهد أنَّ المسلمين قد فرطوا في ركنين من أركان دينهم الخمسة، أمَّا الأول: فهو ركن الصلاة، فلقد فرَّط كثيرٌ من المسلمين في الصلاة، ولم يحافظوا على أدائها في وقتها، ولم يقيموا ركوعها وسجودها وخشوعها، بل إن طائفة كثيرة من المسلمين لا يصلون عياذًا بالله.

وأما الركن الآخر فلقد فرطت فيه الحكومات قبل الشعوب؛ وهو ركن الزكاة؛ فما عادت كثير من حكومات المسلمين تأخذ الزكاة من الأغنياء، بل لا يوجد في كثير من الدساتير الباطلة التي يحكم بها كثير من البلدان المسلمة في زماننا شيء اسمه “الزكاة”.

فكيف ينصرنا ربنا وقد فرطنا في نصف أركان ديننا؟ والله الذي لا إله إلا هو إننا في هذا العصر لا نستحق النصر، ولئن رجعنا إلى ربنا وتمسَّكنا بديننا لينصرنَّا الله تعالى، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].

لاستمتاع للخطبة على موقع ساوند كلاد :

https://soundcloud.com/saidalkady39/200925a

سعيد القاضي

محبكم طالب علم، وقارئ قرآن، وباحث ماجستير في الشريعة. مسلم سني، لا أنتمي لأي حزب أو جماعة ❤

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى